صوت ديمقراطي جذري

1.6.06

افتتاحية



تأخر العدد الثالث من "البوصلة" بسبب العديد من الظروف الخارجة عن إرادة هيئة تحرير المجلة. عل القارئ يغفر لنا حينما يجد هذا العدد الدسم الذي يفوق في الحجم العددين الأول والثاني، والذي ينتقل ملفه الأساسي إلى أسئلة التنظيم والعمل الجماعي بعد أن عالجنا في العددين السابقين بعض أسئلة التغيير السياسي. فلا يخفى على أحد أن المشكلة الأولى التي تواجه التيار الديمقراطي في مصر هي تفتته وضعف مهاراته التنظيمية، وهو الأمر الذي يزيده ضعفاً على ضعف، فهذا التيار لا يمثل إلا أقلية من الشعب المصري، والأقلية ليس لها بديل سوى تنظيم جهودها بشكل فعال إذا أرادت أن تؤثر على الأغلبية الصامتة. وإذا كنا نطرح مسألة التنظيم في هذا العدد، فنحن نعكس في ذلك هم عام لدى حركات التغيير التي تستشعر ضعف مهاراتها التنظيمية بعد أكثر من خمسين سنة من القتل المنظم للسياسة وللعمل الجماعي. لا شك أن الجريمة الكبرى لنظام 23 يوليو تتمثل في قتله القدرة على المبادرة والفعل الجماعي للجماعات الفئوية والسياسية، وهو الأمر الذي أعلنه منذ أيامه الأولى عندما أعدم الضباط الشهيدين خميس والبقري في إجراء غير مسبوق في مصر تجاه إضراب عمالي سلمي يطالب بحقوق نقابية. ليس من المستغرب إذن أن تقف العديد من الجماعات الاجتماعية اليوم خارج المعادلة السياسية بشكل شبه تام مثل العمال والمدرسين، فهؤلاء تلقوا الضرب الأشد لتنظيماتهم النقابية. في هذا الملف نطرح العديد من الأسئلة التنظيمية ونقدم بعض الإجابات، والمؤكد أن الأعداد القادمة ستشهد بالضرورة تطوير للنقاش في نفس المسألة، لأن ما خربه نصف قرن من الاستبداد لن تصلحه عدة شهور من "الحراك السياسي".
على أن النظر للمستقبل بمعالجة مسألة التنظيم لم تمنعنا من متابعة ما حدث في مصر في الشهور الماضية، لذلك يبدأ العدد بمقالتين عن الانتخابات البرلمانية الماضية تحاولا استخلاص دروسها. فليس هناك من شك من أن أي فتح للمجال السياسي سيعني بالضرورة تفعيلاً للبرلمان الذي لم يكن في الماضي أكثر من "مكلمة" ليس لنواب المعارضة أن يحلموا فيها بأكثر من الصياح قبل أن يقرر رئيس مجلس الشعب الانتقال إلى "جدول الأعمال" الذي يتقرر خارج المجلس. والاهتمام بقضية البرلمان تعكس قلقاً لدى هيئة تحرير المجلة من حقيقة التمثيل غير المتوازن للفئات الاجتماعية والجماعات السياسية داخل مجلس الشعب الذي يكاد يتقاسمه الحزب الوطني والإخوان المسلمين من ناحية، وجماعات المصالح ورجال الأعمال من ناحية أخرى. فهذا المجلس لا يعبر بأي حال من أحوال عن تركيبة الشعب المصري الغنية بالتنوع الاجتماعي والسياسي.
حاولنا في هذا العدد أن نستمر في التواصل مع تيارات صديقة في المنطقة وفي العالم، إدراكاً منا بأن التطور السياسي لمصر سيسير بخطى أسرع إذا استفاد من دروس الآخرين، خاصة هؤلاء الذين سبقونا بعدة خطوات. لهذا واصلنا في هذا العدد الحوار حول اليسار الديمقراطي اللبناني بعرضنا للائحة الداخلية لهذا التنظيم التي تعيد للديمقراطية ولحرية الفرد داخل التنظيم اليساري. بالإضافة إلى ذلك تعرضنا لليسار في أمريكا اللاتينية الذي يواصل حصد حكم دولة تلو الأخرى، وهو الأمر الذي نحتفي به ولكن دون أن نفقد رؤيتنا النقدية لهذه اليسار اللاتيني الذي يواجه تحديات غاية في الصعوبة خاصة ما يأتي من نظام عالمي معادي، تسيطر عليه الولايات المتحدة، وهو نظام لا يريد ظهور بديل لأصولية السوق أو أصولية الحركات الدينية المحافظة.
يصل هذا العدد للقراء في لحظة حرجة في التاريخ السياسي لمصر تشهد مواجهة حادة بين النظام من ناحية والقضاة والمعارضة من جهة أخرى. علنا نحتفل في العدد القادم بانتصار القضاة في مسعاهم الاستقلالي الذي سيفتح الباب لتحرك فئات اجتماعية أخرى في المستقبل.

العدد الثالث




No comments: