سامر سليمان
في الوقت الذي تنشط فيه العديد من الفئات الاجتماعية والتيارات الفكرية سياسياً بعد طول غياب فإن تركيبة مجلس الشعب الجديد لا تعبر عن هذه الحركية السياسية. فيظل غائباً عن مجلس "شعبنا" العديد من الفئات مثل الفقراء، وعمال القطاع الخاص، والعاطلين، والنساء، والأقباط، والمثقفين واليسار واللبراليين وفئات أخرى كثيرة.
يتكون مجلس الشعب من 444 عضواً منتخباً، منهم 99% من الذكور، 99% من المسلمين، أكثرية من الأغنياء، الوجهاء وذوي النفوذ سواء جاءوا من القطاع العام أو الخاص. هذا في الوقت الذي لا يشكل الذكور إلا نصف المجتمع فقط، والمسلمين 90% من السكان فحسب، والأغنياء وذوي النفوذ 10% من الشعب على الأكثر. أي أن هذا المجلس ليس مجلساً للشعب، ولكن لأقلية منه، فهو ليس مجلساً للنساء، مسلمين منهم ومسيحيين، ولا للفقراء وقليلي النفوذ، مسلمين منهم ومسيحيين و لا للعاطلين أيا كانت ديانتهم ولا للمسيحيين أيا كانت انتماءاتهم السياسية والاجتماعية. لماذا تغيب الفئات السالفة الذكر عن مجلس الشعب؟ هل هي غائبة أم مغيبة؟ هل المشكلة تكمن في عزوف تلك الفئات عن المشاركة السياسية؟ أم أن هناك عوائق وحواجز تحول دون دخول هذه الفئات إلى البرلمان؟ الحقيقة أن تركيبة النظام السياسي والانتخابي المصري لم ولن تنتج إلا مثل هذا المجلس. هل نقع في نظرية المؤامرة إذا قلنا أن قواعد اللعبة مصممة لكي تستبعد كل هذه الفئات من التمثيل؟ وهذا بالرغم من أن هذه الفئات تظهر نشاطاً وحيوية ملحوظة في الفترة الأخيرة.
المستبعدين بسبب خلفياتهم الاجتماعية
لم يشفع للعمال أن الدستور يعطيهم مع الفلاحين نصف مقاعد مجلس الشعب على الأقل. فالدستور كعادته ترك تفاصيل تعريف العامل للقانون، الذي صك تعريفات تأتي بأشباه العمال في مقاعد العمال. كانت أحد طرائف الانتخابات يافطة كتب عليها أحد المرشحين "انتخبوا فلان الفلاني رجل الأعمال لمقعد العمال". العامل عموماً لا يملك ترف الاهتمام بالسياسة، لأن ذلك الاهتمام قد يؤدي به وبأسرته إلى التشرد أو المجاعة. ولكن افترض أن ذلك العامل استطاع أن يدخر بعض الأموال، وافترض أنه حصل على أجازة بدون مرتب لكي ينشط في حملته الانتخابية، كيف سيوفر المال الذي سيدير به حملته الانتخابية؟
لقد أدت التحولات الاقتصادية والاجتماعية إلى صعود قيمة المال كأحد أهم مصادر القوة السياسية التي تترجم نفسها في أصوات. وهذا الصعود يرجع أولاً إلى نضوب موارد الدولة ومن ثم تركز الأموال في يد رجال الأعمال، كما يرجع إلى انتشار الفقر الذي يجعل من السكان عرضة لشراء الأصوات، سواء بشكل فج في يوم الانتخابات أو بشكل أقل فجاجة عن طريق توزيع سلع وخدمات على الناخبين قبل الانتخابات بفترة. وبما أنه لا توجد قوانين مطبقة تعاقب من يتخطى في الإنفاق على حملته الانتخابية ذلك الحد الذي يتطلبه الاتصال بالناخبين لإقناعهم بشخصه أو ببرنامجه، فالنتيجة الطبيعة هي أن أبواب البرلمان لا تنفتح إلا لمن يملك الثروة، باستثناء أقلية من المرشحين مدعومين من أحزاب أو قوى سياسية.
ماذا عن عمال القطاع الخاص؟ هؤلاء مستبعدين غالباً من تعريف العامل في النظام الانتخابي المصري، لأن العامل لابد أن يكون عضواً في اتحاد نقابات عمال مصر، ذلك الاتحاد الذي يغيب عنه معظم عمال القطاع الخاص. وهذا لا يعني بالطبع أن الاتحاد يمثل عمال القطاع العام، فهو لا يمثل إلا أقلية منهم مرتبطة بالسلطة وبأجهزتها الأمنية. ماذا عن العاطلين؟ ليس لهم ممثل واحد في مجلس الشعب في حين أنهم يمثلوا على الأقل 20% ممن لهم حق الانتخاب.
هل هذه الفئات عازفة عن السياسة؟ غير صحيح. هذه الفئات هي أكثر قطاعات السكان من حيث التصويت. صحيح أن أعداداً منها تبيع أصواتها لمن يدفع أكثر، وصحيح أن نسبة منها يتم حشدها بالجزرة أو بالعصا لكي تصوت للوجهاء والأغنياء، سواء كانوا مدراء شركات قطاع عام، أو ملاك لشركات قطاع خاص، ولكن يظل أن هذه الفئات حاضرة في السياسة بالتصويت حتى ولو كانت غائبة عن الترشيح. والحقيقة أن ارتفاع سعر الصوت في الانتخابات الأخيرة إلى مستويات غير مسبوقة وإن كان يدل على فساد العملية الانتخابية، فإنه من ناحية أخرى يثبت أن صوت العامل أو الفقير أو العاطل أصبح له سعر، بعدما كان في الماضي لا يساوي أكثر من وجبة غذاء أو يوم أجازة. وليس هناك ما منع يبيع الشخص لصوته لشاري، ثم يتحايل لكي يصوت لشخص أخر يعتقد أنه الأفضل, كما أنه ليس هناك ما يمنع أن يتطور الناخب في المستقبل من منح صوته لمن يدفع أكثر الآن، لكي يمنحه لمن يدفع أكثر للمستقبل، أي المرشح أو التيار السياسي الذي يستطيع جلب المنافع لأهالي دائرته. فسيادة منطق المصلحة في العملية الانتخابية هو تعبير عن عملية تحديث موضوعية تجري في المجتمع المصري، بمقتضاها تضعف الولاءات القبلية والعائلية. وهو الأمر المحمود حتى ولو أدى الأمر في بداياته إلى تحول الانتخابات إلى سوق للبيع والشراء المباشر.
المستبعدين على أسس دينية
تقوم الدعاية الانتخابية في مصر في جانب مهم منها على تدين وورع المرشح، وهو الأمر الذي يقلل من فرص غير المسلمين، أو المسلمين العاجزين عن تقديم "شهادات" تثبت ورعهم، أو هؤلاء الذين تعففوا من الأصل عن ذلك على اعتبار أن المنافسة الحقيقية في السياسة تقوم على الكفاءة والإخلاص في الدفاع عن مصالح العباد، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يستدل عليه بمدى تدين المرشح أو إدعاءه لعشق المعبود جل وعلى. وإذا كانت المنافسة الانتخابية في مصر تقوم على استخدام الدين فذلك لأن النظام السياسي يسمح، بل هو يقوم على الاستخدام غير المحدود للشرعية الدينية من أجل تبرير استمراره في الحكم، وهو في ذلك ينافسه التيار الإسلامي في استخدام الدين لإضفاء قداسة على أهداف ومطالب سياسية. ليس هناك أية موانع قانونية تحول دون أن يهين المرشح الآيات والرموز الدينية باستخدامها في زخرفة خطاب سياسي رديء أو غير موجود من الأصل. فلا غضاضة في أن يدفع أحد المرشحين ب "إن ينصركم الله، فلا غالب لكم" في مواجهة خصومه. وهنا تقع المزايدة ويصبح على كل مرشح النضال لكي يثبت ورعه، بدلاً من العمل على إثبات أنه أقدر على تمثل مصالح العباد. وبما أن المزايدة الدينية هي القاعدة في العملية الانتخابية يصبح من المنطقي أن يغيب المسيحيين عن الجلوس ب"مجلس الشعب"، إلا من نجح منهم في الحصول على دعم النظام (يوسف بطرس غالي) أو على شهادة من التيار الإسلامي تثبت أنه من خيار "النصارى" الذين هم أقرب للمسلمين من اليهود، مثل حالة جمال أسعد في الثمانينيات وأوائل التسعينات، ومنير فخري عبد النور في انتخابات 2000.
لم ترشح التيارات السياسية نسب معقولة من المسيحيين على قوائمها إلا اليسارية واللبرالية منها، وبما أن هذه التيارات ضعيفة ومهمشة لذلك فهي لم تستطع أن تأتي بأي مسيحي إلى البرلمان، كما كان حزب الوفد القديم يفعل ذلك في المرحلة شبه الليبرالية قبل 1952. أما الحزب الوطني الحاكم فإنه لا يرشح مسيحيين على قوائمه إلا نادراً باعتبار أنه نجح في إقناع قطاعات واسعة منهم أن البديل الوحيد للنظام الطائفي القائم هو طائفية أشد ضراوة سوف تطبقها "وحوش ضارية" من الإسلاميين ومن المتعصبين. وهكذا أصبح الخيار الأساسي أمام المسيحيين هو انتخاب الحزب الوطني رغم أن الطائفية وكراهية المسيحيين يخترقانه من القمة إلى القاع. وحتى إشعار أخر يثبت فيه الإسلاميون أنهم أقل طائفية من الحزب الوطني (وهذا يحتاج إلى عمل دءوب وتحول راديكالي داخل هذا التيار)، أو يثبت فيه التياران اليساري واللبرالي أنهما يمثلان بديلاً واقعياً لكل من النظام والإخوان، فسيظل الحزب الوطني مهيمناً على المسيحيين.
على أن الانتخابات الأخيرة أتت بظاهرة جديدة، وهي ظهور كتلة تصويتة مسيحية مستقلة عن الحزب الوطني تنبئ بتصاعد المشاركة السياسية وسط المسيحيين. لأول مرة في تاريخ انتخابات مجلس الشعب نجح 6 من المسيحيين المستقلين في دخول جولة الإعادة. هؤلاء نجحوا بدون مساندة من الكنيسة. فالكنيسة كانت تدعم مرشحي الحزب الوطني. ووصل التطبيق الحرفي لهذه السياسة أن بعض الكنائس كانت تطرد منها مرشحي المعارضة، بل ومستقلي الوطني!! وبما أن الكنيسة لها تأثير كبير على الأقباط، فيمكن القول أن ما أعلنه العديد منهم أنهم أخذوا من المسلمين أضعاف ما أخذوا من المسيحيين قابل للتصديق. وهذا يعني أن موقف الكنيسة الموالي للحزب الوطني قد جعل من مرشحي المسيحيين يكسبون أصوات بعيداً عن الكنيسة. وهذا يلطف من الميل الطائفي لدي المرشح المسيحي. فالطائفية الدينية للكنيسة، أي دعم الكنيسة للمرشح المسيحي لم تكن إلا في خدمة مرشحي الوطني، الحزب الطائفي الذي لم يرشح إلا اثنين من المسيحيين على قوائمه بحجة أنه ليس منهم من يصلح لكسب معركة الانتخابات. الحقيقة أن معظم المرشحين المسيحيين الذي دخلوا الإعادة كانوا من مستقلي الوطني. إذن فالوطني يظل حزباً للمسلمين، في الوقت الذي تعلن الكنيسة الولاء له. فهنيئاً لهما ببعضها البعض. وهذا معناه أن من يريد أن ينجح من المرشحين المسيحيين لابد وأن يجد دعماً غير الكنيسة والحزب الوطني. شكراً للوطني وللكنيسة على دفع المسيحيين بعيداً عن الطائفية.
المستبعدين بسبب الجنس
لا تفسح قواعد اللعبة الانتخابية المصرية مكاناً كبيراً للنساء. يعتمد النجاح في الانتخابات على عدة ملكات، كثير منها تفتقده النساء، خاصة العنف والدين والمال. فالنساء بالطبع أقل قدرة على استخدام العنف من الرجال، ودخولهن المنافسة الانتخابية يعرضهن للتحرش وللعنف، كما أن الحضور الطاغي للخطاب الديني المحافظ في العملية الانتخابية لم يكن أبداً في صالح النساء، لأن هذا الخطاب، وإن كان قد تخلى في معظمه عن حرمانية العمل السياسي بالنسبة للمرأة، إلا أنه لا يزال يعتقد أن المجال الطبيعي لنشاط النساء هو المنزل. وقد تم استخدام الخطاب الديني المحافظ في مواجهة بعض المرشحات مثلما فعل مرشح الإخوان في دائرة ... ضد هيام عبد العزيز، حين زعم أن الإسلام لا يجيز ولاية المرأة. أضف إلى هذا أن النساء لا يمتلكن من المال ما يتوفر لدى الرجال، وكما قلنا فيما سبق أن المال رأس مال مهم جداً في المنافسة الانتخابية بمصر.
لكل هذه العوامل كان من الطبيعي أن تكون نسبة النساء في البرلمان 1% بالرغم من أن نسبتهن في السكان حوالي 50%، وبالرغم من أن حضورهن في النشاط الاقتصادي يزيد بصورة ملحوظة، وهو الذي يشهد عليه ارتفاع نسبة الأسر التي تعولها سيدات. لم تستطع النساء انتزاع مقاعد أكثر بالرغم من أن هناك حركية سياسية تخترقهن تشهد عليها تقارير صحفية وتلفزيونية كان من أهمها صور لسيدات يتسلقن الأسوار من أجل تخطي الحواجز الأمنية التي حالت بينهن وبين صناديق الانتخاب. لم تترجم هذه الحركية السياسية إلى زيادة نسبة النساء في مجلس "الشعب" للعديد من الأسباب أهمها استمرار هيمنة الحزب الوطني الذي لا يرشح من النساء إلا أقل القليل. هذا بالإضافة إلى أن التيار المعارض الذي حقق نمواً في البرلمان، أي الإخوان، لا يميل هو أيضاً إلى ترشيح النساء على قوائمه إلا بنسبة تقل عن 1%. لم ينجح ارتفاع نسبة النساء على قوائم التيارين الليبرالي واليساري (الوفد، الغد والتجمع) في تصحيح تمثيل المرأة في البرلمان، لأن هذه التيارات كانت الخاسر الأكبر في الانتخابات الأخيرة. لكن يظل أن اتجاه هذه التيارات إلى زيادة مرشحيها من النساء، بالمقارنة بالانتخابات السابقة، يثبت أن هناك إدراكاً متزايداً لديها لتصاعد أهمية "الصوت النسائي". حتى الإخوان المسلمين عبروا على لسان مرشدهم العام عن أسفهم لأن مرشحات الإخوان لم يزدن عن واحدة، وقد فسر ذلك بأن أزواج الأخوات لا يشجعوا تعرض زوجاتهم لمشاق ومخاطر المنافسة الانتخابية.
المستبعدين لأن بإمكانهم تقديم "البديل الثالث"
يكاد يغيب عن التمثيل في مجلس الشعب تياران كانا من أهم القوى السياسية في مصر قبل 1952، وهما اللبراليون واليساريون. فلم يحصل التيار الليبرالي إلا على 8 مقاعد (6 للوفد و2 للغد). من الصحيح أنهم يعانون من العزلة والتشرذم الذي فُرض عليهم فرضاً سواء بالقمع المباشر أو بالقتل في المهد. والحقيقة أن القمع المباشر تجاههم قد خفت ليس لأنهم مهادنون (وإن كان منهم بالطبع هذا النوع)، ولكن لأن القمع المباشر لم يعد له ضرورة كبيرة بعد أن نجح النظام طوال فترة طويلة في قتلهم في المهد، بأن جفف المنابع التي تمدهم بالموارد. كيف يمكن ليسار أن ينشط وأن ينتج برامج سياسية في ظل غياب كامل لأي نقابات مستقلة عن الدولة؟ كيف يمكن للتيار اللبرالي أن ينشط في ظل سيطرة شبه كاملة من أجهزة الأمن على الجمعيات الأهلية وعلى الأحزاب؟ لقد حصل التيار الإسلامي على نصيب الأسد من القمع البوليسي لأن سياسة تجفيف المنابع لا تحقق نتائج مذهلة مع الإسلاميين كما تحقق مع اللبراليين واليسار، لأن النظام يستطيع أن يغلق الجمعيات والأحزاب تماماً ولكنه لا يستطيع ذلك مع المساجد.
على الرغم من أن سياسة تجفيف المنابع نجحت مع التيارات المدنية لفترة طويلة، فأحالتها للتقاعد أو عزلتها لكي تأكل في بعضها البعض، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت بداية صحوة في هذه التيارات. فالتيار اللبرالي شهد ظهور حزب الغد، كما يشهد تبلور مجموعات كثيرة، أشهرها مجموعة حزب مصر الأم، واستطاع أيمن نور فعلاً أن يبرز نفسه في انتخابات الرئاسة كبديل لحسني مبارك. لكن من الواضح أنه كان هناك قراراً أمنياً بإسقاط مرشحيه في الانتخابات وعلى رأسهم أيمن نور، وفي ذلك استخدم النظام كل الأوراق، ومنها التزوير الفاضح. هناك إصرار من جانب النظام على أن يكون طرفي المعادلة السياسية المصرية هما النظام والإخوان المسلمين فحسب.
التيار اليساري شهد أيضاً حركية عالية في السنوات الأخيرة. فبرغم تأكل عضويته إلا أن هذا التيار كان حاضراً في كثير من معارك السنوات الماضية، سواء في اللجان الشعبية للتضامن مع الانتفاضة، أو في حركات مناهضة الحرب على العراق، أو في التضامن مع العمال، أو مع السودانيين أو مع ضحايا الصدامات الطائفية، الأمر الذي أضاف عناصر شابة جديدة إلى الحركة كما أعاد عناصر كانت قد كفت عن المشاركة السياسية، هذا ناهيك عن ظهور أفكار مختلفة بداخله، تعبر عن نفسها في مطبوعات جديدة مثل "البوصلة" أو تعبر عن نفسها على مواقع الانترنت مثل التقدم ورزجار والحقيقة والوعي المصري. حتى تحالف الشامي مع المغربي، أي الاشتراكيين الثوريين مع الأخوان المسلمين (اليمين الديني مع اليسار "الراديكالي")، بكل ما فيه من انتهازية لأنه تحالف بلا غطاء فكري أو برنامج سياسي مشترك، هو دليل على ميل للمغامرة. والمغامرة تعني الحركة والفعل. لقد صبت الحركية السياسية المتصاعدة لهذه المجموعة في مواقف اكروباتية، لكن يظل أن هناك نمو كمي في حركيتهم، وربما يكون هذا النمو هو الذي دفعهم لمحاولة التغلب على مشكلة عدم مصداقية اليسار بسبب التشهير ضده باستخدام سلاح الدين، بالتحالف مع قطب أساسي من أصحاب التوكيلات بالحديث باسم الدين، أي الإخوان. هذه الحركية عبرت عن نفسها أيضاً في نزول أبرز رموزهم، كمال خليل، في انتخابات دائرة إمبابة.
على أن اليسار لم يترجم حركيته السياسية المتنامية في السنوات الأخيرة إلى تمثيل أعلى في البرلمان بل بالعكس انخفض التمثيل إلى عضوين فقط ينتميان لحزب التجمع. والأمر لابد أن يأخذ بعض الوقت لأن اليسار (خاصة خارج التجمع) يحتاج بعض الوقت لكي يعيد صياغة فعالياته السياسية كي تحتوي على "السياسة الانتخابية" والتي ابتعد عنها طويلاً لأسباب كثيرة يطول شرحها.
خاتمة
تفرض قواعد لعبة الانتخابات والسياسة في مصر تهميش قطاعات عديدة من المجتمع. مشكلة النظام الانتخابي المصري لا تقتصر على اعتماد التزوير فيه كآلية أساسية في الممارسة، يصعب نجاح المرشح بدون ممارسته. يمكن ضبط التزوير من خلال فرض الرقابة القضائية الحقيقية، وليس الرقابة "القضائية" المزعومة، كما حدث في الانتخابات السابقة. وإذا كانت إمكانيات وأعداد القضاة لا تسمح بضبط العملية الانتخابية يمكن الاستعانة بمراقبين من دول أخرى أو من منظمات أهلية أو دولية. المشكلة الأكثر تعقيداً من التزوير تتمثل في أن قواعد اللعبة السياسية المصرية لا تتيح تمثيلاً حقيقياً لمختلف فئات الشعب في البرلمان. وهنا لا بديل عن طرح قواعد جديدة للمنافسة السياسية والانتخابية، قواعد تحد من قدرة الأطراف على استخدام سلاح المال والدين والعنف والتحيز الذكوري ضد منافسيهم. ما هي هذه القواعد الجديدة؟ وهل المشكلة تكمن في نظام الانتخاب الفردي؟ هل يحل نظام الانتخاب بالقائمة النسبية المعضلة؟ كيف؟ هذه الأسئلة تحتاج لدراسة مستقلة سيأتي أوانها عما قريب.
No comments:
Post a Comment