صوت ديمقراطي جذري

29.8.06

البوصلة تعاتب : من ينسى إخوته المختطفين للسخرة فى الأمن المركزي والشرطة


من هم الأكثر وقوعا ضحية الاستغلال في الشعب المصري؟ من هي الجماعة التي تعمل بالسخرة لدى النظام الحاكم؟ من هي الفئة التي تقوم عن النظام بالمهمة القذرة في التنكيل بالمظاهرات السلمية؟ إنهم مجندو الأمن المركزي. هؤلاء الجنود لم يقرروا بإرادتهم الحرة أن يعملوا في هذا الكيان الغريب الذي تديره الشرطة. هم ذهبوا لمراكز التجنيد لكي يسلموا أنفسهم وفقا لقوانين البلاد التي ستقطع ثلاث سنوات من عمرهم باسم الخدمة الوطنية. ولكن بدلا من إرسالهم على الحدود للقيام بمهام الدفاع الوطني، يتم التحفظ عليهم في معسكرات تحيط بالمدن كالحزام، يقوم عليها ضباط من الشرطة، ويتم تسخيرهم في قمع المظاهرات والاعتداء على المواطنين العزل بل والتحرش الجنسي بالنساء. وهو الأمر الذي يخالف الدستور، لأن ذلك الدستور نص على الخدمة الوطنية الإجبارية، ولكنه لا يعطي الحق للسلطة التنفيذية فى إجبار مصريين على العمل بالسخرة لدي أجهزة الشرطة من أجل حماية نظام استبدادي. وبهذا المعنى نحن أمام أخوة لنا في الوطن يتم اختطافهم لمدة ثلاث سنوات يلاقون فيها صنوفا من العذاب على أيدي الضباط، ويجبرون خلال هذه السنوات على تكسير عظام وانتهاك أعراض أخوة لهم، ليسوا في خصومة معهم.
الجندي الآتي من أعماق الريف الذي ينكل بالمثقفين الوطنيين لا يفعل ذلك فقط بالأمر، ولكن لأن قياداته قالت له أن هؤلاء المثقفين خونة، ولأنه لم تتح له فرصة معرفة أخرى فقد صدق ما قيل له دون تمحيص. ولكن الحقيقة المرة هى أنهم ربما كانوا يكرهونا بالفعل.. لمجرد أننا بضعة من هؤلاء الأفندية الذين يتعالون عليهم. ولكن حتى لو كره هؤلاء الجنود التنكيل بمواطنيهم، ولو بدافع الإنسانية، بل وحتى لو عرفوا الحقيقة سيواصلون عملهم، ببساطة لأنهم مجبرين على ذلك. فالتمرد على أوامر الضباط لابد وأن تؤدي إلى صنوف من العذاب ليس آخرها زيادة مدة اختطافهم، أي "تجنيدهم"، ولهذا يختار الجندي القيام بمهام ربما لا يقبل أن يؤديها طائعا. ومن هنا ليس لأحد أن ينتظر منه التمرد على أوامر قياداته وعدم الاعتداء على المواطنين إلا إذا قدم له شيئا، إلا إذا شعر به أولا كإنسان.
المجندون الأميون ومن فى حكمهم لا يقتصر تسخيرهم المجانى فى الأمن المركزى على مواجهة المظاهرات، بل يمتد إلى حراسة مباريات الكرة وكل تجمع جماهيرى يُخشى خطره، وإلى إقامة معسكرات للطلبة وشباب الحزب الوطنى وغيرهم... بل ويتسع تسخيرهم خارج الأمن المركزى، ليمتد إلى العمل فى الحراسة داخل المدن وفى المرور، فضلا عن الخدمة الشخصية للضباط وأسرهم.. فكأنهم رهائن لدى السلطة لمدة 3 سنوات مقتطعة من أعمارهم وشبابهم ومستقبلهم تفعل بهم أثناءها ما تشاء باسم الخدمة الوطنية.
هؤلاء المجندون لا يلقون فى العادة فى ممارسة مهامهم المختلفة إلا كل استهزاء واستهانة، ليس فقط من ضباطهم، ولكن أيضا من أهالى المدن، من الأفندية والبهوات معا، من راكبى السيارات الذين يدعى كل منهم أنه "ابن مين فى مصر"، والمشاة. فلقبهم هو "دفعة" التى تُنطق كثيرا مصحوبة بابتسامة استهانة صفراء، ويضطرون لتحمل ذلك لأنهم يتسولون اللقمة، فضلا عن الخوف من بطش الأفندية، الحقيقى أو المدعى، لأنهم لا يستطيعون التمييز بين الاثنين.. وباختصار يشعرون فى المدينة أنهم كالأيتام على موائد اللئام. هوة واسعة تفصل بين عالمين، وأحقاد تنمو أو قابلة للنمو. فماذا فعلنا لهم؟
نحن في حقيقة الأمر لم نشعر بهم حتى الآن. نلتقي بهم في المظاهرات، فنحاول التودد إليهم بالشعارات ونحاول أن نشعرهم بأنهم أخوة. ولكن ما أن تنتهي المظاهرة حتى ننساهم، ننسى أن لدينا أخوة يبلغ عددهم 450 ألف مختطف في معسكرات السخرة المسماة بالأمن المركزي. لا زلنا ننتظر أن يكتشف جندي الأمن المركزي، بالصدفة، الحقيقة، وهي أننا لسنا بخونة، ومن ثم يتمرد على ضباطه وينضم إلى جموع الشعب الذي أتى منه. وننسى أنهم مجرد قطاع من جيش من الفلاحين يُسخر لخدمة السادة ونحن منهم شئنا أو أبينا، دون أن يجدوا عادة حتى الاحترام.
ربما لو تضامنا مع أهاليهم وطالبنا السلطة بالإفراج عن أبنائهم المختطفين لمدة ثلاث سنوات، ربما لو قمنا بالطعن في دستورية الخدمة "الوطنية" بأجهزة الشرطة، ربما لو تجمعنا خارج معسكراتهم وطالبنا بالإفراج غير المشروط عنهم، ربما يكون لنا الحق أن ننتظر منهم معاملة أفضل لنا في المظاهرات القادمة. ربما لو سعينا لمواجهة الطبقة الوسطى بسلوكها الفاحش الأنانية، وفقر عطائها للريفيين الفقراء، ونظرتها الدونية لهم.. ربما لو قدمنا لهم ولأسرهم الريفية الفقيرة ما يستحقونه من احترام واهتمام.. ويد مساعدة أخوية.. ومعاملة أفضل فى كل احتكاك بهم فى الدوائر الحكومية والشارع، يحق لنا أن نتوقع منهم أن يقاوموا مهمة قمعنا.. أن يخففوا حقدهم علينا نحن الأفندية نساء ورجالا.. أن يشعروا حقا وفعلا أن ثمة قضية مشتركة تربطنا.
لن يشعر أخوتنا المجندون بالمواطنة التى تجمعنا بهم، إلا إذا شعروا أصلا أنهم مواطنون فى بلدهم، وليسوا "فرزا ثانيا" مسخرا لخدمة السادة الأفندية من الحكوميين والمعارضين واللا مبالين.







No comments: