صوت ديمقراطي جذري

29.8.06

انتفاضة القضاة و معركة التغيير


زياد العليمي


تابعت الحركة الديمقراطية بشغف وباحتفاء تحركات القضاة في السنة الأخيرة والتي كانت ترمي إلى تحقيق بعض المطالب مثل استقلال القضاء والإشراف الكامل على الانتخابات. يفسر زياد العليمي هذه التحركات بالإيديولوجية الحاكمة للقضاة والتي تعود للعصر الليبرالي، كما يدفع بأن دور القضاة في التحول الديمقراطي يحده مصالحهم النقابية كفئة اجتماعية.

لا يمكننا فهم دوافع و أفق تحرك قضاة مصر إلا من خلال استعراض التاريخ الذي كون الأيديولوجيا الحاكمة لتحركات القضاة المصريين عبر تاريخهم و كذا تحركهم الأخير أو "انتفاضة القضاة".
ارتبط ظهور القضاء المصري المعاصر في مصر بمشروع محمد على لبناء الدولة المدنية الحديثة. فأنشأ محمد على مجالس قضائية متعددة بجانب المحاكم الشرعية، كما أنشأ مجلسين للقضاء التجاري في المركزين التجاريين الرئيسيين، القاهرة و الإسكندرية، و اعتبرت هذه المجالس بداية القضاء المصري الحديث, ثم أتى الخديوي إسماعيل ليوسع هذا النظام القضائي بتكوين مجالس هرمية لكيانات إدارية في المحافظات والأقاليم فاختصت هذه المجالس المحلية بالفصل في القضايا البسيطة فقط اعتماداً على اللوائح التي تصدرها الحكومة المركزية .
واستمر الحال كذلك حتى بداية القرن العشرين الذي شهد تزايد التواجد الأوروبي، وبالتالي بدأت النماذج القضائية الأوروبية تحل محل النماذج العثمانية التي كانت سائدة من قبل، ومع زيادة التواجد الاقتصادي الأوروبي و ظهور الامتيازات الأجنبية بدأت الدعوة لإنشاء قضاء مختلط يختص بقضايا الأجانب، إلى أن بدأت المحاكم المختلطة عملها عام 876 ، و مع اعتماد التقنين المنظم لهذه المحاكم ظهر التواجد الأوروبي بجلاء ليس في التشكيل فقط ، و لكن في مسألة الفصل بين الحكومة كسلطة تنفيذية وجهاز القضاء، فقد وافقت الحكومة المصرية على الامتثال ذاتياً للأحكام الصادرة ضدها كما وافقت على الأخذ بنظام النيابة العامة المعمول به حتى الآن .
وبعد إنشاء المحاكم المختلطة دعا عدد كبير من الزعماء المصريين لإنشاء محاكم وطنية للفصل في القضايا خوفاً من زيادة التدخل الأجنبي في شئون المصريين، و بذلوا جهوداً كبيرة لإنشاء هذه المحاكم وطالبوا بأن تختص بالنظر في الجرائم التي تقع من الموظفين الحكوميين والرقابة على أعمال الإدارة إلى أن كللت جهودهم بالنجاح بصدور مرسوم إنشاء المحاكم الأهلية قي 1883 . وبتطور الحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال عن بريطانيا و إنهاء الامتيازات في العشرينات، نجحت هذه الحركة في تحقيق بعض الانجازات على صعيد الاستقلال القضائي، كما تعهدت بريطانيا من خلال معاهدة 1936 بأن تعمل على إنهاء الامتيازات الأجنبية بمصر وأن تجعل المحاكم المختلطة تتولى عمل المحاكم القنصلية لفترة تكون الحكومة المصرية في نهايتها حرة في الاستغناء عن المحاكم المختلطة ، إلى أن اختفت المحاكم المختلطة تماماً بعد اتفاق مونترو عام 1937.
وهذا التأثير الأوروبي على القانونيين المصريين و خاصة القضاة جعلهم يؤمنون بأفكار الشرعية الليبرالية التي ترى القاعدة القانونية باعتبارها الضمان الوحيد الذي يمكن أن يتمسك به الأفراد في مواجهة السلطة التنفيذية ، و كذا ترى النظام القانوني باعتباره المقيد الرئيسي لسلطة الحكام المستبدين و دوره هو جعلهم يحكمون الناس بمقتضى العقد الاجتماعي المتفق عليه. وعلى طريق القضاة لإتمام نظام قانوني ليبرالي يضمن لهم الاستقلال استطاعوا أن يحصلوا على عدد من المكاسب كان أهمها قانون السلطة القضائية الصادر عام 1943، والذي كرس استقلال المؤسسة القضائية بتدعيم مجلس القضاء الأعلى وزيادة عدد القضاة به، مما صعب عملية عزل القضاة. وبالتوازي مع ذلك تأسس مجلس الدولة عام 1946 لدعم التوجه القانوني الليبرالي في رقابة القضاء على الجهات الإدارية، فكان لها العديد من الأحكام التي حجمت السلطة التنفيذية ورغبتها في الاستئثار بالسلطة.

سلطة جديدة ومعركة جديدة :
ويعد وصول ضباط يوليو لسدة الحكم بمصر إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في العلاقة بين السلطة التنفيذية و قضاة مصر، فقد كان الحكم في الحقبة الناصرية شمولياً. و لكن الصدام بين هذه السلطة الشمولية والقضاة الذين يستعصمون باستقلالهم تأخر بعض الشيء. فأمضت السلطة الجديدة سنواتها الأولى في إدخال تغيير جذري على البنية القانونية لتتواكب مع توجهها الجديد. و في هذا الإطار وضعت العديد من التشريعات التي تكفل لها التدخل المركزي في كل شئون الإدارة، كما أطلقت حالة الطوارئ لتنال من معارضيها وتحافظ على "الثورة" الوليدة ، فبدا الأمر وكأن هناك اتفاق غير معلن بين السلطة الجديدة و الجهاز القضائي .فأصرت الدولة الناصرية في البداية على حفظ استقلال القضاء وعدم إقحام القضاة في شئون السياسة وفي المحاكمات السياسية الصورية لمعارضي النظام. وهو ما التقى برغبة القضاة، فأنشأت السلطة الناصرية محاكمها الاستثنائية من عسكريين بالأساس وكان لهذه المحاكم دوراً سياسياً وليس قضائياً و هو محاكمة مناهضي النظام و خصومه. وفي المقابل ساد توجه داخل صفوف القضاة بأن واجبهم في هذه الفترة هو تطبيق القانون كما هو، أي كما تضعه السلطة الحاكمة. و لكن هذا الحال لم يدم طويلاً، فمع منتصف الستينيات بدأ عدد من القانونيين المصريين يطالبون بمراجعة الثقافة القانونية المصرية لتتواكب مع المتغيرات السياسية، فهاجموا فكرة الفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية باعتبارها تراث رأسمالي ينتمي للشرعية الليبرالية التي يجب استبدالها بالشرعية الاشتراكية، و إدماج القضاة في الاتحاد الاشتراكي العربي ليرتبط قضاة مصر بالقاعدة الشعبية. و أثناء انعقاد الجمعية العمومية لنادي القضاة في مارس 1968 أصدرت الجمعية العمومية بياناً يرد على هذه الدعاوى ويعلن رفض القضاة لإدماجهم في أي تنظيم سياسي، و دعوا فيه لإنهاء المحاكم الاستثنائية واحترام الدستور وسيادة القانون. فقسم هذا البيان القضاة إلى قسمين، تعاطف فريق منهم مع الانضمام للتنظيم الواحد. و كما يذكر "ناثان براون"، وهو أحد أهم الذين أرخوا للسلطة القضائية المصرية،" فإن بعضهم كان قد انضم بالفعل للتنظيم الطليعي"، أما الغالبية العظمى من القضاة فقد تبنوا مطالب بيان جمعيتهم العمومية، وهو ما قاد إلى الصدام بين القضاة والحكومة خاصة بعد انتصار مجموعة البيان في انتخابات نادي القضاة 1969، و هو ما ردت السلطة عليه بإحالة ما يزيد على مائتي قاض للتقاعد فيما عرف "بمذبحة القضاء".

السادات ومبارك: تفعيل القضاء للحد من السياسة:
أما في مصر السبعينيات و مع تصاعد الحركة الوطنية و اليسارية خشيت الدولة المصرية من تسييس الشارع المصري، ولم تجد هذه الدولة أن إطلاق العنان للقوى السلفية و فتح المنابر المختلفة لها كافياً وحده بالقضاء على الشعبية المنتظرة لتيارات المعارضة، خاصة بعد تراجع سلطة السادات عن الأيديولوجيا الوطنية الشعبوية التي تميز بها نظام سلفه وعدم امتلاكه لما يسد الفراغ الذي خلفه زوال "الخطاب الناصري" .
لم يكن أمام هذه السلطة سوى إعادة الاعتبار للسلطة القضائية وإعطاء وضعاً خاصاً للقضاة في المجتمع المصري لاعتماد اللجوء للقضاء بديلاً عن اللجوء للتنظيمات السياسية، فكان لابد وأن تقدم السلطة بعض التنازلات للقضاة للحفاظ على "الهيبة القضائية" حتى تولد الأمل في اللجوء إليها ، فاعتذر السادات عن "مذبحة القضاء"، وداعبت سلطتا السادات ومبارك أحلام القضاة بالشرعية الليبرالية عن طريق إعادة التشكيل القضائي للمجلس الأعلى للقضاء، ورد حق القضاة في انتخاب مجلس إدارة ناديهم، وإعادة الاعتبار للقضاء الإداري، وإنشاء المحكمة الدستورية العليا، ومد قواعد عدم القابلية للعزل لأعضاء النيابة العامة. و رغم ذلك احتفظت للسلطة التنفيذية بالحق في تعيين النائب العام وأوجبت عرض أعضاء هيئة التفتيش القضائي على وزير العدل لتتملك مقاليد الأمور.
وعلى الجانب الآخر بدأت السلطة تسعى لزيادة المخصصات المالية الممنوحة للقضاة فزادت رواتبهم حتى بدا وأن الجهاز القضائي هو الفئة المفضلة لدى الدولة، و ساد إحساس بين عدد من القضاة بأن هذه المزايا التي تمنح لهم يجب أن ترد في شكل مهادنة النظام والتخلي ولو في بعض الأحيان عن دورهم كسلطة ثالثة عليها أن تقيد السلطة التنفيذية في بعض صلاحياتها، فزاد إحساسهم بضرورة تقنين استقلالهم وحماية مصالحهم حتى يتمكنوا من القيام بدورهم دون أن تجد السلطة القضائية نفسها في موقف المستجدي من السلطتين الأخريين على حد تعبير القضاة.

مطالب نقابية و ليست سياسية :
تمحور النزاع بين القضاة وسلطة مبارك في العام الأخير حول مشروع قانون تعديل السلطة القضائية الذي يكفل استقلالية أكبر للقضاء. و بدأ النزاع حول هذا المشروع حين اتخذت الجمعية العمومية لنادي القضاة المنعقدة في 22 نوفمبر 1990 قراراً بضرورة وضع مشروع لتعديل قانون السلطة القضائية بما يحقق استقلال القضاء، وحددت الجمعية العمومية المبادئ الأساسية التي يجب أن يراعيها القانون و شكلت لجنة للعمل على صياغته. ثم أقرت الجمعية العمومية لنادي القضاة المنعقدة في 18 يناير 1991 مشروع القانون المقترح، إلا أن رئيس الجمهورية رفض المشروع آنذاك، فظل حبيساً أكثر من 13 عاماً حتى تم تحديثه و إصدار نسخة كاملة منه بتاريخ 18 ديسمبر 2004.
تضمن المشروع في نسخته المصدرة عدداً من الأحكام المستحدثة التي يرى القضاة أنها تدعم استقلالهم كان من أهمها:
- استقلال السلطة القضائية بكافة شئونها المالية و نقل الأمور المتعلقة بميزانية القضاء لمجلس القضاء الأعلى.
- دعم مجلس القضاء الأعلى من حيث التشكيل بأن يضم من يتولون مناصب القمة في القضاء بالإضافة إلى عضوين من محكمة النقض وآخرين من محكمة استئناف القاهرة باعتبارها " كبرى محاكم الاستئناف و محط رحال قضاتها " ـ على حد تعبير القضاة ـ ويكون اختيار الأعضاء عن كل من المحكمتين المذكورتين عن طريق انتخاب جمعيتها العمومية، حيث أن أعضاء المجلس القضاء الأعلى يعينون بقرار من رئيس الجمهورية حتى الآن وهو ما يضمن سيطرة السلطة التنفيذية عليه فهي التي تشكله وهي التي بيدها تغيير بعض أعضاؤه، أما بخصوص دعم المجلس من حيث الاختصاص فقد رأى المشروع إلحاق إدارة التفتيش القضائي بالمجلس حتى تعينه في مهامه المتعلقة بتعيين رجال القضاء و ترقيتهم و نقلهم و غيرها من الأمور الوظيفية .
- إلغاء الندب لغير وظائف السلطة القضائية و تحديد مدد الندب و الإعارة بأربع سنوات حتى لا تنتقص من المستوى الفني للقاضي عند استطالتها.
- جعل المشروع للجمعية العمومية لمحكمة النقض السلطة في اختيار أعضائها من بين المرشحين للعمل بها بعد أن كان تعيينهم بقرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى كما جعل لها الحق في انتخاب رئيسها و نائب رئيسها.
- جعل التقاضي في شئون القضاة على درجتين حتى تكون الأحكام محل مراجعة لخطورتها في التأثير على المستقبل المهني للقاضي، كما أعطي القانون الحق للقاضي في الاستعانة بقاض آخر من محكمة النقض أو محام متخصص للدفاع عنه.
-تسوية معاش القاضي بحيث لا ينخفض انخفاضاً شديداً عن رواتبهم التي كانوا يتقاضونها.
- تعديل وضع نادي القضاة من جمعية خاصة مشهرة وفقاً لقانون الجمعيات تشرف عليه وزارة الشئون الاجتماعية إلى اعتباره جمعية مهنية خاصة بالقضاة وتخضع لإشراف جمعيتها العمومية.
ويلاحظ أن مطالب القضاة الخاصة بالإشراف الكامل على الانتخابات لم تكن مدرجة على جدول أعمال القضاة أثناء مناقشة استقلال السلطة القضائية حتى عام 2000، ففي 8 يوليو 2000 صدر حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن الدستوري رقم 11 لسنة 13 والذي قضى بضرورة إشراف القضاة على الانتخابات تطبيقاً لنص المادة 88 من الدستور المصري، وعلى أثر ذلك بدأ إجراء انتخابات مجلس الشعب عام 2000 على ثلاث مراحل ليتمكن القضاة من الإشراف على الانتخابات .
ولكن سلطة الحزب الوطني أصرت على عدم إجراء انتخابات نزيهة خاصة بعد الهزيمة النسبية التي مني بها مرشحوها في المرحلة الأولى من الانتخابات، فدفع مرشحو الحزب الوطني برجال الشرطة لمنع المواطنين المؤيدين لمنافسيهم من الدخول لمقار الانتخاب، و في العديد من المناطق أشرف القضاة على اللجان الرئيسية فقط دون اللجان الفرعية لعدم كفاية عددهم، كما اقتصر إشراف القضاة على عملية الاقتراع فقط دون أن يكون لهم أي حق في التدخل في الإجراءات المنظمة له أو التدخل في أي انتهاكات تحدث خارج مقر اللجنة من شأنها التأثير على العملية الانتخابية. وهو ما جعل نتيجة انتخابات مجلس الشعب الأخيرة تصدر تحت دعاوى حكومية بنزاهتها لأنها كانت تحت إشراف قضائي و في ذات الوقت تصدر العديد من الأحكام القضائية التي تثبت حدوث تزوير في هذه النتيجة، كما قضت بإعادة الانتخابات في بعض الدوائر كما حدث في انتخابات دائرة الرمل بالإسكندرية. وشعر القضاة على أثر ذلك بأن هذه النتيجة قد تنال من هيبتهم و الشك حول حقيقة استقلالهم ، فطالبوا بالإشراف الكامل على الانتخابات .
ورغم أن قضية الإشراف على الانتخابات كانت قضية منفصلة إلا أن القضاة رأوا ربطها بمطالبهم النقابية ليضمنوا استقلالهم، فخلال الجمعية لنادي القضاة المنعقدة في 13 مايو 2005 ـ و قبل انتخابات رئاسة الجمهورية و مجلس الشعب بشهور قليلة ـ اختار القضاة استخدام ورقة الإشراف على الانتخابات لتصعيد الضغوط على الحكومة المصرية للحصول على قانون السلطة القضائية الذي يكفل لهم الاستقلال.
وبعد الاستفتاء على تعديل المادة 76 من الدستور صدر تقرير نادي القضاة عن الاستفتاء و الذي اعتبر تصعيداً للصدام مع السلطة التنفيذية حين أورد عدداً من الانتهاكات التي تمت خلال التصويت على التعديل المقترح فخرجت نتيجة الاستفتاء غير معبرة عن إرادة الناخبين. وبصدور التقرير على هذا النحو نجح نادي القضاة في كسب تأييد الشارع المصري له ـ و خاصة النخب السياسية ـ و في نفس الوقت قدم دليلاً لسلطة مبارك على جديته في تنفيذ تهديداته بعدم الإشراف على الانتخابات الرئاسية.
ولكن رد الإدارة المصرية على تهديد القضاة جاء بذات الحدة والجدية التي تعامل بها نادي القضاة، ففي 30 أغسطس الماضي و ـ قبل ثلاثة أيام فقط من اجتماع الجمعية العمومية لنادي القضاة التي ستقرر موقفهم من الانتخابات ـ قررت اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية استبعاد 1700 قاض من المشاركين في التحركات الأخيرة من الإشراف على الانتخابات الرئاسية، وهو ما اعتبر رسالة من سلطة مبارك باستعدادها للإطاحة بكل من يحاول إحراجها خلال الانتخابات الرئاسية.
ثم خرج اجتماع الجمعية العمومية لنادي القضاة المنعقد في الثاني من سبتمبر بقرار بالموافقة على الإشراف على الانتخابات الرئاسية بشرط عودة القضاة المستبعدين وإقرار إشراف منظمات المجتمع المدني على العملية الانتخابية وعدم اعتبار رجال النيابة العامة وهيئة قضايا الدولة من القضاة وتنقية الجداول الانتخابية، ورغم عدم تلبية أي من هذه المطالب ـ أو الشروط كما سماها قضاة مصر ـ أشرف القضاة على الانتخابات الرئاسية .
ويبين من تحركات القضاة عبر تاريخهم أن القضاة لا يتحركون إلا للحفاظ على مصالحهم المهنية و في مقدمتها الحفاظ على استقلالهم و الحفاظ على الدور الذي يرونه للسلطة القضائية، و يميز تحركهم الأخير عدد من السمات الرئيسية أهمها هو قيادة قضاة محكمة النقض الذين رسخت لديهم أفكار الاستقلال القضائي أكثر من غيرهم خلال سنوات عملهم الطويلة بالسلك القضائي باعتبارهم على قمته، ويظل قبول نادي القضاة الإشراف على الاستفتاء حول التعديل الدستوري ـ على الرغم من كل التجاوزات التي حدثت خلاله ، رغم عدم حصولهم حتى على تعهد ببحث مطالبهم ـ و بعده إشرافهم على الانتخابات الرئاسية رغم عدم تلبية "شروطهم" تأكيداً على أن سلاح المراقبة على الانتخابات يستخدم كورقة ضغط إعلامية على سلطة مبارك لضمان حصول القضاة على مطالبهم، وليس نزوعاً حقيقياً للمشاركة في المعركة السياسية الطامحة للتغيير الديمقراطي.
كما يتضح أن قيادة تحرك القضاة الأخير واعية تماماً لعدم استعداد شباب القضاة ـ الذين لم يشهدوا فترات استقل فيها الجهاز القضائي عن السلطة التنفيذية ـ للدخول في صدام مع السلطة، وما يؤكد ذلك توقيع عدد غير قليل منهم على تعهد بمراقبة الانتخابات وتغاضي قيادة التحرك عن ذلك وعدم رفضه من حيث المبدأ بل و قبول الإشراف على الانتخابات الرئاسية. ولهذا فإن رموز حركة القضاة يؤكدون دائماً أن قضاة مصر لا علاقة لهم بالسياسة ورفضوا إشراك أية قوى سياسية أو منظمات غير حكومية في معركتهم حتى لا يكون ذلك إعلاناً لخصومة مع النظام الحاكم، و ليظل الباب مفتوحاً لأية حلول وسط تؤدي لحصولهم على مطالبهم النقابية .
ولكن لا بد أيضاً من ملاحظة أن مطالب القضاة بالاستقلال يمكن أن تدعم القوى الوطنية المصرية في معركتها من أجل التغيير الديمقراطي، فمصر لم تعرف خلال النصف قرن المنصرم سلطة قضائية مستقلة و لكنها شهدت قضاة مستقلين، و نجاح هؤلاء القضاة في تجذير مواقفهم من أجل سلطة قضائية مستقلة سيؤدي بالطبع لأن تقيد السلطة القضائية بعض الصلاحيات الممنوحة للسلطة التنفيذية، كما أن دعم القضاة و مساعدتهم في التمسك بالإشراف الكامل على كل المراحل الانتخابية في كافة الانتخابات القادمة سيمكن المعارضة المصرية من إحراز تمثيل برلماني أعلى يمكنهم من التحرك بخطوات ثابتة للحصول على مكاسب أخرى على طريق التغيير الديمقراطي في مصر.








No comments: