صوت ديمقراطي جذري

29.8.06

التحالف المتذمر : الدولة والطبقة الوسطى الجديدة

عمرو إسماعيل


بالرغم من تذمر الطبقة الوسطى الجديدة بسبب سوء خدمات الدولة، فهي تظل فئة موالية للاستقرار، فلديها بعض المكاسب من الوضع الحالي، كما لديها العديد من المخاوف في حال سقوط النظام القائم. هذا ما يحاول أن يوضحه عمرو إسماعيل.

أفرزت سياسات الانفتاح في السبعينيات ثم برامج التحول الهيكلي منذ 1991 فئات اجتماعية منخرطة في القطاعات الجديدة المتماشية واعتبارات إدماج الاقتصاد المصري في الاقتصاد العالمي، وتشمل تلك القطاعات البنوك والمصارف الخاصة، والشركات متعددة الجنسيات، والاستثمارات الصناعية سواء ذات رؤوس الأموال الوطنية أو بالشراكة مع استثمارات أجنبية. ويغلب على هذه الفئة الطابع التكنوقراطي الذي يضمن لها تأمين مقدرتها على التنافسية المتلائمة مع السوق العالمي (قطاعات تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات والأعمال المتعلقة باكتساب مهارات خاصة بالحاسبات واللغات الأجنبية والتأهيل في مجالات الأعمال والدعاية والاستثمار والإدارة وغيرها). يتراوح الدخل الشهري لهذه الفئة بين 2500 جنيه و20 ألف جنيه.
يمكن تصنيف الطبقة الوسطى الجديدة ضمن الفئات غير الحاكمة، والتي لا تسهم بشكل مميز في تشكيل النخبة القائمة على عملية صنع القرار، وفي ظل غياب إطار عام للمشاركة السياسية لفئات عريضة من المجتمع تقف الطبقة الوسطى الجديدة عازفة عن المشاركة السياسية من ناحية، ومفتقرة لإطار تنظيمي أو مؤسسي يمثلها بخلاف فئات أخرى - نتجت عن ذات عملية التحول الرأسمالية كرجال الأعمال - نجحت في توفير مقعد لها في مؤسسات صنع القرار كمجلس الشعب.

الطبقة الوسطى الجديدة والدولة
يتحدد وعي الطبقة الوسطى الجديدة بدور الدولة في مصر من خلال متغيرين، الأول استقلال هذه الفئات عن الدولة في العمل، والثاني اعتمادها على الدولة في مجال الخدمات العامة. بالنسبة للمتغير الأول، يمكن القول أن هذا الطبقة قد نشأت وتطورت بمعزل عن مؤسسات الدولة بحكم عملها في القطاع الخاص الوطني أو في مشروعات مرتبطة بتدفق رؤوس الأموال الأجنبية، وهو ما يجعلها متميزة عن الطبقة الوسطى التقليدية من موظفي البيروقراطية الحكومية التي تعمل لدى الدولة منذ العهد الناصري، حتى إن بعض قطاعات الطبقة الوسطى الجديدة تحصل على دخولها بالعملة الصعبة أو بمعادلها، وهو ما يزيد من انفصالها عن الدولة في مسألة التأمينات، ويضاف إلى ذلك انفصال الأجيال الجديدة من تلك الطبقة عن مؤسسات الدولة التعليمية والعلاجية بظهور المدارس والجامعات الخاصة، والمستشفيات الاستثمارية والاستناد إلى مكافآت نهاية الخدمة كعوض عن التأمينات الاجتماعية والمعاشات المتوفرة من قبل النقابات أو وزارة الشئون الاجتماعية.
على أن انفصال تلك الفئة عن الدولة في مجال العمل لا يعني استقلالها التام عن الدولة إذ أن ثمة عناصر أخرى تضمن اتصالها وتواصلها مع دور الدولة المصرية، وذلك من خلال اعتبارين:
الأول: احتياج الدولة لمزيد من الإيرادات، الأمر الذي يجعلها تتوجه لهذه الشريحة من أجل إخضاعها لمزيد من الضرائب. في نفس الوقت الذي تستهدف الحكومة الطبقة الوسطى الجديدة في تطوير خدماتها العامة لتكون أكثر ربحية، وبخاصة في مسائل كالنقل والاتصالات والتعليم، ولعل ظهور وسائل النقل المكيفة، وأقسام الدراسة باللغات في كليات الاقتصاد والتجارة والحقوق- لعله يقف دالا على هذا التحول.
الثاني: الاعتماد الأمني لهذه الشريحة على الدولة، سواء بشكل مباشر في مواجهة الفئات الأكثر فقرا وتهميشا، أو في مجال صيانة عمل بعض المؤسسات كالبنوك والمصارف وشركات التأمين والبورصة، وهي المعتمدة ولو جزئيا في أدائها على سياسات البنك المركزي وتوجيه الحكومة للبنوك الحكومية إضافة للوضع الاقتصادي الكلي فيما يمس التضخم والعجز في الميزان التجاري وأسعار العملة الوطنية.

هل تطور تلك الطبقة مشروعا سياسيا ؟
رغم صغر عدد هذه الفئة النسبي إلا أنها تشكل رأس حربة الطبقات غير الحاكمة من جهة، وأكثرها ارتباطا بتلك الفئات المهيمنة من جهة أخرى، ومن هنا يمكن أن نسمي العلاقة بين الطبقة الوسطى الجديدة والنظام علاقة "تحالف متذمر". فالطبقة الوسطى الجديدة لها مصلحة أساسية في استمرار الوضع الحالي. فمن ناحية هي تميل إلى استقرار المجتمع وعياً منها بخطورة التناقضات الاجتماعية على وضعها كطبقة، ونقصد بذلك عرضة الطبقة الوسطى العليا لتكبد خسائر فادحة في حالة انهيار الأوضاع في البلاد سواء فيما يخص النظام المصرفي, أو وقوع الاقتصاد في الركود وهروب الاستثمارات، الأمر الذي يضيق من فرص العمل المتميزة لشباب هذه الفئة, هذا بالإضافة بالطبع أو تعرض هذه الفئة لضغوط أمنية بسبب تفشي الفقر وعدم المساواة. وكل هذا يدفع هذه الفئة للتمسك باستقرار النظام بغض النظر عن كونه نظاما سياسيا تعددياً أو أحاديا.
على أن هذه الفئة التي لا تملك إلا الاستثمار في قدراتها ومكناتها الفنية- لم تزل في مأزق لأن النظام القائم يحد من طموحاتها بسبب غياب معايير الكفاءة في توزيع المناصب والوظائف والاعتماد على الانتماء العائلي أو المحسوبية، والتي تهدد أولئك الذين استثمروا في تعليمهم الخاص جزئيا(كأقسام اللغات في الجامعات الحكومية أو الجماعات والمعاهد الخاصة والمدارس الأجنبية، وتعلم اللغات والكمبيوتر، الخ). بالإضافة إلى ذلك فإن سياسات الدولة لا تحقق طموحات هذه الفئة بالكامل، باعتبار أنها لا تشجع بقدر كافي الاستثمارات الأجنبية، ولا تسير في اندماج مصر في الاقتصاد العالي إلا ببطء.
مما سبق نجد إن الطبقة الوسطى الجديدة هي أكثر الفئات استفادة من بين الشرائح غير الحاكمة بعملية التحول الرأسمالي، ولكن كونها الفئة الوحيدة التي حظيت بأكبر قدر من الفائدة يجعلها تنحاز للموقف المحافظ الرامي للإبقاء على مكتسباتها، ولعل هذا هو العامل الرئيسي الذي يجعل هذه الفئة تهاجم الحكومة باعتبارها فاشلة اقتصاديا، ولكنها لا تعترض على جوهر أو هيكل البرنامج الرامي للتحول الاقتصادي بقدر ما تعترض على طريقة التنفيذ.
وهكذا فتظل الطبقة الوسطى الجديدة في موضع المراقب للتحولات السياسية دون أن تشارك فيها مشاركة حقيقية. هل يحمل المستقبل مشاركة سياسية أكبر لهذه الطبقة. وإذا ما اختارت هذه الفئة السياسية، هل تنتج بديلا ديمقراطيا يحترم التعددية الحقيقية وحقوق الإنسان، وإطلاق الحريات العامة. أم ستكتفي هذه الشريحة بتأييد نظام مهيمن يقوم على الكفاءة المؤسسية. هل تلتقي اعتبارات الكفاءة والديمقراطية في ذهنية الطبقة الوسطى الجديدة؟ هل سنرى اليوم الذي ستؤمن فيه قطاعات من هذه الفئة أن إصلاح الدولة يمر عبر التطور الديمقراطي؟






No comments: