صوت ديمقراطي جذري

1.6.06

رسالة إلي الجمهور المصري


مارسيل خليفة


صديقاتي .. اصدقائي
في هذه اللحظة الكونية، المكنوزة بحريات المعرف، وانتقالها، والتى تجعل من المبدع، المثقف أكثر حرية واستقلالاً في الرأي والمشاركة، سيكون عليه في هذه اللحظة بالذات أن يكون أكثر تمسكاً بالتزامه الحر، وأكثر وعياً بدوره الحضاري في تقدم البشرية، فبالرغم مما تذهب إليه غطرسة الدول، وتخبط القوى السياسية وانهيارات المجموعات المؤسسية، ونطل للأفراد المبدعين والمثقفين أدوارهم البالغة الفعالية. الأمر الذي يجعل القنوات الأصدق والأقرب مع آلام البشرية واحلامهم.
فليس من الحكمة أن يتخلى المبدع عن أحلامه، ففي ذلك الخسارة الفادحة للناس. خصوصاً أولئلك الذين يخسرون يوماً بعد يوم حقوقهم ومتطلبات عيشهم الكريم والحر.
أننى أعتقد دائماً بأن الإبداع حد إنهاك مستمر وعميق في حركة الحياة، وربما قد لا يجد المبدعون فضاء أكثر رحابة، لبذر إبداعهم من قلوب الناس، تلك القلوب التى يصدر عنها الابداع فيما يذهب إليها.
ومن دون التوقف كثيراً أمام الصعوبات المتوقعة في ظروفنا العامة، تلك الملابسات التى سوف تسعي دوماً لمخاطرة الإبداع الإإنساني الحقيقي والحد من إمكانيات تحققه وفعاليه دوره الإجتماعي، خصوصاً فيما يتعلق بالمفاهيم الغامض، لشوطالسوق والتسليع الفاجر للفنون، لابد لنا أن ندرك وسائل عملنا في هذه اللحظة الكونية البالغة التسارع والتحولات.
فهذه الأمور لا يجب أن تكون عائقاً يحول دون تقدم المبدعين والمثقفين نحو أحلامهم، متمسكين بدورهم الإنساني، مؤمنين بأن ثمة أجنحة كثيرة توشك على ال يتوجب علينا مساعدتها على التحليق. وليس مثل الثقافة والابداع يمكن أن يصقل موهبة الطيران لدى أكثر الكائنات مقدرة على الحلم.
في هذا الخندق الأخير – خندق الثقافة- سنحاول أن نربط مع قليلين مدافعين عن تلك القيم، وأن نحاول أيضاًلا الصمود في وجه جرافة الانحطاط.
والانحطاط الذين نتعرض له ليس ناتجاً عن قصور ذاتي في الأشخاص، بوصفهم أفرداً تنقصهم المعرفة والموهية، وكلنه نتاج موضوعي للواقع السياسي والاجتماعي والثقافي الذي تحميه المؤسسات والسلطات وتقوم عليه. فحرمان المجتمع من البوح الحر سوف يؤدي عبر الوقت إلى صداء الحساسية الثقافية.
أسئلة بسيطة، ويجري تفاديها : العدالة، الحرية، الاحتلال، المقاومة ، الاخلاق، الطائفية، المذهبية، القيم المهدورة، الاختلاف، الفوارق المادية الفاضحة، حيث مقابل الفني الفاحش فقر فادح.
هل يتحمل واقعنا مثل هذه الاسئلة دون ن يتعرض السائل لقائمة الاتهام والخلل الحاصل بالسلطة، وبحقوق المدني وقواه الحية.
ضجيج بصم الأذان، ضجيج يبتعد يبتعد عن المعني الجوهري للعدالة الاجتماعية والفساد وتبديد الثروات الوطنية والحرية والديمقراطية والخبز والورد والجمال والحياة. فلنصرخ عالياً لنتحرر من سلطة النظام والعشيرة والقبيلة والطائفة والمذهب والمؤسسات الدينية.
ولنتحاور بصدق وبعمق عن عجز الحكام وتسلط الحكام وتكاذب الحكام، والهدر الكبير لطاقات الناس "المنومة" والمخصة القدرات الذهبية والعلماية. وربما يقودهنا هذا الحوار الصريح إلى إكتشاف طرقنا السليمة إلى الحرية والديمقراطية، فنصل إليها بمبادرة ذاتية ونقطع على المحتلين سجل الادعاء بانهم قادمون لهدايتنا وايصالنا إلى الطريق الصحيح بواسطة الصواريخ والمدافع والعمق والقتل والتشرد والتدمير المقصود لثقافتنا وتراثنا وذاكرتنا وأرضنا.
الحرب على الشعب العراقي غير مبررة وجائرة، والحرب المستمرة وعلى مدار الساعة، حرب إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية على فلسطين.
كأننا نسينا، كأن أحداً لم يعد يذكر كم من الفلسطينيين يسقطون كل يوم، وكذلك عشرات الجرحى والمعتقلين والمعاقين.

صديقاتي ..أصدقائي
لقد يئسنا من الهزائم المبثوثة في مشاريع الشعارات وبشكرات القمع، يئسنا من سلطة لا أمل فيها. ليس في البال سوى فعل الهدم الجميل الذي انتظره الوقت والمكان منذ طفولة الأشياء. ولم يبق لنا سوى البوح العميق لندافع عن أنفسنا.

صديقاتي.. أصدقائي
إن القيم الإنسانية الكبرى لا تشيخ وإن شاخت أدواتها، فلن تكون الحرية والعدالة والكرامة أشياء بالية كما يبشرنا النظام العالمي الجديد، الموغل في القدم، والذى حولنا إلى جموع خائرة، مستنفذة ذليلة. تتمرغ باليائس أو تفاهات التلفزيونات الملونة والاستهلاك الرخيص.
إن حريتنا الأخيرة هي أن نتمسك بقناعتنا بعد مصادرة كل شئ بلا استنثاء لنصون شعلة المبدئ ولنأمل بصباح جديد لربيع لا ييئاس ولنسأل باستمرار عن خصتنا من الحرية والسلام.
أعود بالذاكرة إلى تلك الطفولة البعيدة عندما احضرت كرسي الخيرزان وربطت عليها خيوط النايلون وثبتها على المقام الكبير ولعبت الحانأً بأصابع عشرة. وهكذا اكتشفت قيثارتي الأولى. تلك الكرسى العتيقة التى تحولت من راحة للابدان إلى راحة الأرواح. وكان المتبقي من كرسي الخيرزان منسي على "العلبة" في طرف أحد الزوايا. وما أن صادفتها ذات مساء موحش حتى انساب النغم ، كرسي الخيرزان المهمل له كل هذا الشجن.
كان عيداً حقيقياً يوم دخول العود الأول إلى بيتنا ، عندما استغنيت عن كل آلاتي الموسيقية المنزلية من طناجر وعلب حليب فارغة وملاعق وصحون وكبايات، لم يستفرد بي العود المجنون وانما فتك بي وافناني من شدة الولع.
ذلك الوتر الناعم الملمس كجسد المرأة الطالعة من لهفة الحب تفترسها بشفيرة الريشة المسنونة المتحكمة بالقاء الاوتار والاصابع ، تتوغل بالريشة نحو الأعمق. اوتار من قصب وحرير تغور في الاعماق، تعر على وتر النوى، فيمتد الصوت ويتبعه الصدى والعود على رهافة وسطوة يتقدم.
من عيون ريتا وخبز امي ابحث عن جواز سفر حيث لا الصورة ولا الايقاع ولا الجملة ولا القصيدة ولا الادوات ولا المفاهيم ذاتها.
لم تكن لدي رغبة في معرفة المستقبل بالوضوح الحديدي الذي تسلح به الآخرون. إنه وضوح ويضاهي قيداً لا يرحم وكأن من حق الآخرين "المحافظين" أن يسمو ذلك خراباً، وقد حلى لي ذلك.
ليست لدينا معجزات، لدينا مخيلة، واحلام مكبوتة.
( في دار الاوبرا وساقية الصاوي) اسئنفت معكم ذلك الرحيل الشاق نحو البحث عن نقطة ضوء كبداية تتجدد.
لارتماء طفولي على حضن الذاكرة.
لاحتجاج على فساد أشياء العالم.
لغضب عاصف على أثام الحرب.
ولتورط صاخب في الحب.
لا نبد
أ من صفر ، بل نواصل البدايات من خلاصة التراكم ، تراكم التجارب والتضحيات . ومنذ 30 عاماً ونحن نقلب المدن صفحة صفحة، من اجل الوطن العربي الكبير الذي ينهال على القلب متعب.
نحمله ونعلن انشاده رغم رغم الوجع الذي يشتد والقهر الذي يلتف حبلاً على العنف ليطوي رقاب الناس مهانة.
المهمة صعبة، ولكننا سنطلق الموسيقى التى ستضئ قليلاً رغم استحالة الأشياء وصوبتها في زمن ابيحت فيه المذلة وابيح فيه القتل والارهاب والجوع.
إلى أين ستأخذنا هذه الأمسيات المفتوحة على البدايات؟
إلى أجمل حب!..
صديقاتي .. أصدقائي
نواصل معكم صياغة حياتنا بأعمال متجددة، وأليس في هذا التبادل ما يزودنا بالحب.
الحب تلك الوردة السرية الجميلة المخبأة في دواخلنا، تمدنا بالقدوة والحرية وتفسد على الحياة استسلامها.
صديقاتي .. اصدقائي
لا ادري ما يشدني هكذا أليكم، إلى بلدكم ، إلى مدينتكم. ربما تكون الرغبة الثقافية المتأججة في اشعال شمعة ولعن الظلام في آن واحد لنستعيد ثقتنا مع الروح، تلك الثقة التى ارهقتها الانهيارات الشاملة والهزائم المستمرة
سنجرب قول الأشياء بلغة غير الكلام ، سنقولها بالموسيثى والصمت، ففي الموسيقى غربة وحنين إلى الماضي وإلى المستقبل المجهول.
مع كل الحب



No comments: