صوت ديمقراطي جذري

1.6.06

قول على قول في المسألة الدنماركية


محمد البعلي

في الأسابيع القلية الماضية انقسم المثقفون في المنطقة الممتدة من حدود الصين والهند شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا بين موقفين من قضية ثقافية كانت إشكالية وأضحت مشكلة كبرى، وانحازت الأغلبية العظمى من هؤلاء المثقفين (والمقصود بالمثقفين هنا هم المتعلمون وقادة الرأي) إلى شعارات من نوع "خسئت الدنمارك... وخسئت الجبنة الدنماركية" فيما أصيب قطاع يمكن أن نقول أنه أقلية كبيرة بالذهول والصمت..
وفيما كنت في البداية ضمن المصابين بالذهول، فإني أعترف لجميع المنذهلين أن سيريالية الأحداث يمكن أن تصيب أقوى العقول بالذهول، فقد أصبح واضحا الآن أن من أثار الموضوع وثابر على إثارته هو الشيخ "أحمد بن أبو الغيط" (حفظه الله) وزير خارجية جمهورية مصر العربية وموظفيه المباشرين وغير المباشرين، وليس الشيخ أسامة بن لادن وأتباعه.
كما أن بعض أقوى التهديدات ضد الدنماركيين "الملاعيين" تمت في فلسطين التي تحصل على دعم مالي من الاتحاد الأوروبي (و بالمناسبة ..الدنمارك عضو في هذا الاتحاد الشيطاني) كما أن قضيتها تحظى بتأييد واسع في الطبقة و الشارع السياسي الدنماركي، ولاستكمال الملهاة جاءت التهديدات الفلسطينية من أنصار حركة فتح (التي توصف بالعلمانية) وليس من أنصار حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وجاءت أعنف الهجمات على الإطلاق (العنف بمعناه المباشر والفيزيقي) من مناصري حكومة الرفيق بشار الأسد في سوريا ولبنان، وهي حكومة قومية علمانية عدوة للإسلاميين على الأقل في سوريا.
وللأسف ليس هذه سوى بعض عناصر الصورة، فللحقيقية فقد حظي موقف "خسئت الجبنة الدنماركية" بشعبية واسعة في الدول العربية وباكستان وأفغانستان، والجاليات المسلمة في الغرب، وانتشرت رسائل المحمول التي تدعو للصيام والدعاء على الدنمارك حتى ينزل الله عليها انتقامه ويجعلها "قاعاًََ صفصفاً"(إنه التحقق الأقصى لأفكار مابعد الحداثة.. نداءات القرن السابع مندمجة في تكنولوجيا القرن الـ21)، كما تسابق كل شيوخ دول الخليج النفطية وملالي الهايبر ماركت وعلى رأسهم الملا ((كارفور)) "حفظه الله" على إعلان البراءة ليس فقط من الجبنة ولكن أيضا من الزبدة الدنماركية (بئست وبئست البقرة التي جاءت منها)، وهو للأمانة الموقف الذي لاقى إعجابا واسعا في منطقة الخليج على الأقل حيث أعيش.
و بصفتي ذو خلفية ماركسية فقد حاولت في البداية أن أنظر للقضية انطلاقا من العوامل الاقتصادية الاجتماعية، فوجدت (سمك..لبن..تمر هندي)، ورأيت أنني لو وضعت كل العوامل في خلاط المادية الجدلية وخفقته جيداً فلن أخرج بعصارة المعرفة كما كنت معتاداً في شرخ الشباب، ولكن على الأغلب بشربة زلط لا تسمن ولا تغني من جوع، لذلك قررت أن أقارب الموضوع بطريقة أخرى.
مقاربة أولية
والمقاربة الأولى تجهد أن تعرف ما الذي مهد الأرض لمواقف كل من الشيخ "أحمد بن أبو الغيط" و الملا ((كارفور)) لتحظى بهذه الشعبية..هل يمكن أن نقول أنها "الهوية الإسلامية"..أنا أميل لذلك، فقد أصبح واضحا اليوم أن عشرات الملايين حول العالم أصبحوا يشعرون و يعرفون بأنفسهم كمسلمين قبل أي شيء آخر..
أن ذلك بالطبع نتيجة لمليارات السعودية و شيوخ النفط التي ضخت في الإعلام و في المساجد و في مطبوعات عديدة وجيوب الجماعات مباشرة و كذلك فيما أصبح يعرف بالقطاع المالي الإسلامي، ونتيجة أيضا لحركية الإسلاميين و نشاطهم القوي الذي لم يخلف مجالا من مقارعة أمريكا إلى منع متفوقي الأقباط من التعيين في الجامعات المصرية (والفعلان على اختلافهما يعززان الإحساس بوجود من هم مسلمين ومن هم غيرهم)، و كذلك نتيجة لتراجع دور الدولة الوطنية وفي بعض البلاد مثل مصر وباكستان انهيار الإحساس بالكرامة الوطنية بفعل حكومات (تخاف ولا تختشيش) على رأي المثل المصري ،وطبعا هي لا تخاف على شعور شعوبها.
ولكن قضية الهوية هذه أيضا رد فعل لهجوم الغرب (الذي ينظر إليه هنا على أنه "مسيحي") على دول المنطقة وحركاتها الأكثر كفاحية، وهو هجوم واضح لكل ذي عقل (و متوسط التعليم والذكاء) أنه ليس هجوما على الإسلام أو الإسلاميين، فالهجوم على حكومتي العراق و سوريا البعثيتان والعدوتان للإسلاميين ليس من الممكن أن يندرج ضمن الهجوم على الإسلام، والصداقة الدائمة بين قادة الغرب (المسيحي) وقادة السعودية وباكستان وهي أقدم الدول التي تعرف نفسها بالربط مع الإسلام نفي آخر للمؤامرة، كما أنه الهجوم الذي تندرج فيه كوريا الشمالية الشيوعية وإيران الإسلامية ضمن محور واحد (الشر من وجهة نظر بوش).
وبوش هذا أحد عوامل تعزيز الهوية الإسلامية أيضا، فالرجل الأقل ذكاء في قائمة الرؤساء الأمريكيين المعاصرين يصنف نفسه على أنه "مسيحي مهتدي"، وهو كان من الغباء لدرجة أنه استخدم مصطلح "حرب صليبية" عندما أراد أن يصف المعركة التي تدور بين حكومته وبين الإسلاميين من أتباع أسامة بن لادن، ورغم أن بوش ومن حوله قالوا لاحقا أن المعنى المقصود لم يكن هو المتعارف عليه في الشرق، إلا أن المصطلح وصل واستقر في أذهان أهل الشرق.
كما أن صداقة بوش بـ "رجل السلام" شارون ( وهو مجرم حرب يحظى بكراهية استثنائية في المنطقة) و دفاع الحكومة الأمريكية الدائم والشامل عن إسرائيل جعل الموقف يبدو وكأن أمريكا المسيحية تقود الغرب "المسيحي الصهيوني" في هجوم على العالم الإسلامي.
قبل أن انتقل من نقطة "الهوية" أحب أن أكرر الإشارة إلى انتقائية العقول ووسائل الإعلام العربية و المتأسلمة، فالتهديدات و الحرب الكلامية التي تلتهب أحيانا ضد حكومات كوريا الشمالية وفنزويلا ومن قبلهم كوبا دائما ما تنشر كأخبار منعزلة أو كأخبار طريفة أو يتم تجاهلها ببساطة، و بذاءات رجال بوش التي استمرت فترة طويلة ضد فرنسا و رئيسها أخذت حيزا أصغر بكثير من التي حظي بها قانون الحجاب في الدولة نفسها.
عموما من الطبيعي أن تقدم الصحافة المكتوبة والناطقة بالعربية تغطيات أوسع عن المنطقة، ولكن يصعب أن تكون هذه الصحافة بريئة بالكامل من عملية بناء الاستقطاب الغربي العربي، وتعزيز "الهوية الإسلامية".
عود على بدء
لنعد للقصة الأصلية..فما بين قيام صحيفة "ييلاندز-بوستن" الدنماركية بنشر الرسوم في نهاية سبتمبر 2005 وقيام أول الاحتجاجات ضدها في نهاية يناير 2006 أربعة شهور كاملة، بذلت فيهم الخارجية المصرية ومعها وسائل الإعلام المقربة منها والجامعة العربية التي ينظر إليها على نطاق واسع على أنها فرع للخارجية المصرية كل جهدها لتأجيج المسألة.
وبدأت قصة الرسوم (التي توصف دوما على أنها الرسوم المسيئة للرسول مع أنها ليست كلها كذلك) حين اشتكى الكاتب الدنماركي كار بلوتغين من عدم تمكنه من العثور على من يرسم صورا لكتاب عن النبي محمد لأن أحدا لم يتجرأ على تخطي الحظر الإسلامي المعروف على رسم الرسول، على إثر ذلك طلب المحرر الثقافي لـ"ييلاندز – بوستين" ( ويشير عدد من المعلقين على رأسهم "جهاد الخازن" إلى أنه يميني ذو ارتباطات بالمحافظين الجدد في الولايات المتحدة) من الرسامين "رسم الرسول كما يرونه" كتأكيد على حرية التعبير وكرفض لضغوط المسلمين الذين طالبوا باحترام حساسيتهم إزاء الموضوع.. المهم.. نشرت الصور وبينها رسم يبدو أنه ينتقد بلوتغين لاستغلال الموضوع لترويج لكتابه.
ونشرت الصحيفة الدنماركية صورة للنبي واقفا بين عدد من الأشخاص الذين يرتدون عمامة أيضا في صف مشتبه بهم لدى الشرطة، فيما يقول شاهد للشرطة: "لست أدري أيهم هو" وجعلت الصحيفة من هذه الصورة الرسم المركزي يوم نشرت الرسوم، ويستمد الرسم فكاهته من أن صف المشتبه بهم فيه أيضا يسوع المسيح والسياسي الدنماركي اليميني المتطرف بيا كيارسغارد، بالإضافة إلى بلوتغين نفسه.
كما أن عددا من الرسوم الأخرى لا تحتوي بالضرورة على انتقاد للإسلام، وتظهر في أحد الرسوم صورة للرسول يتجول في الصحراء فيما تغرب الشمس وراءه. وفي رسم آخر يندمج وجهه بنجمة وهلال.
وكان أكثر الرسوم إثارة للجدل هو الذي تظهر فيه عمامة الرسول على شكل قنبلة يشتعل فتيلها، ويبدو في رسم آخر يحمل سيفا وهو مستعد لمعركة. ولا تظهر عيناه، فيما تقف إلى جانبه امرأتان بالبرقع، لا تظهر سوى عيونهما.
وبعد نشر الرسوم بفترة قصيرة تحديدا في بداية أكتوبر 2005 (وجه السيد / أحمد أبو الغيط وزير الخارجية سفيرة مصر في كوبنهاجن بطلب عقد اجتماع عاجل لسفراء الدول الإسلامية المعتمدين لدى الدنمارك لبحث الموضوع) هكذا تقول وزارة الخارجية المصرية بالنص، وتمخض الاجتماع عن بيان ورسالة لرئيس وزراء الدنمارك رد عليه الرجل برده الذي لم يتغير بعده وحتى الآن ( وهو الرد المتوافق تماما مع النظام السياسي الدنماركي الذي لا تسيطر فيه الحكومة على الإعلام ولا تلعب دورا أبوياَ تجاه المجتمع)، وهو أن بلاده تحترم حرية الصحافة ولا تستطيع التدخل فيما تنشره، وفي خلال ما بقي من أكتوبر قامت وزارة الخارجية المصرية باستدعاء سفير الدنمارك (وهو إجراء دبلوماسي قاسي للغاية) وأرسلت لطوب الأرض مذكرات حول الموضوع بما في ذلك عمرو موسى و الجامعة العربية وكوفي عنان و الأمم المتحدة وعدد من منظماتها كل على حدة وخافيير سولانا و الاتحاد الأوروبي و منظمة الأمن والتعاون الأوروبي ومنظمة المؤتمر الإسلامي، باختصار وكما يقول المثل المصري الحكومة المصرية (حطت "الموضوع" على راسها وزعقت)، ولأنني لا أعرف تاريخا أو أحداثا تربط وزارة الخارجية والوزير أحمد أبو الغيط بالأصولية أو بالواجب الدعوي، فلا أميل لإرجاع ما حدث إلى الحماسة الدينية الشديدة التي تولدت لديهم فجأة، فما هي القضية إذا...
يجادل البعض بأن تصعيد الحملة ضد الدنمارك ( وهي دولة صغيرة وبنت حلال لاتؤثر في مجريات السياسة الدولية) ناتج عن قرار حكومى من الدول الكبرى الثلاث التي تقاسمت الهيمنة على الشرق العربي منذ الستينات وهي مصر والسعودية وسوريا، والدول الثلاث تتعرض لضغوط أمريكية متفاوتة، وبادرت مصر التي تعاني من الضغوط و صعود الإخوان المسلمين لاستخدام هذه الورقة الإسلامية أولا إظهار نفسها محليا بصورة حامي الإسلام و بالتالي هي أحق من الإخوان بحمل المصحف والسيف، ومن جهة أخرى في الصراع مع الضغوط الأمريكية والأوربية عليها بافتعال قضايا ثانوية يضيع في ثنايا الحديث عنها أي كلام عن الديمقراطية والإصلاح، وقد نجحت في الجزء الثاني نجاحاً لا بأس به.
وحكومة السعودية التي حركت آلتها الإعلامية الجبارة خلف الموضوع(يملك السعوديون غالبية القنوات الفضائية التي توصف باللبنانية وغالبية المطبوعات والمحطات التي تتمركز في دبي، وهي كثيرة) تعاني من ضغوط الإصلاح الأمريكية ذاتها، ومن ضغوط داخلية من المحافظين ورجال الدين تنتقد توجه الحكومة نحو الإصلاح.
أما سوريا فقد هدفت بالأساس إلى تخويف الغرب من أن البديل لنظام البعث هو الخراب، وإعطاء إشارة إلى أنها مازلت قادة على تحريك بيدق هنا أو هناك في لبنان، وتلقى الجميع الإشارة.
ولسخرية الأحداث فإن أقوى الأحداث وأعنفها تمت في ليبيا وباكستان وأفغانستان ونيجيريا، وهي دول ليست فقط بعيدة عن "لعبة الأمم" الإقليمية للشرق العربي (ليبيا يمكن اعتبارها مفعول به في اللعبة ليس أكثر) ولكنها أيضا لم تكن المبادرة في تحريك الأزمة و صب الزيت على النار فيها.
وكان الغريب هو موقف الإسلاميين فأسامة بن لادن لم يترك قيادة هذه الغزوة للشيخ أحمد أبو الغيط فقط بل أنه وكبار قادته مروا على الموضوع بسرعة، أما الحركات الأكبر والأكثر تأثيرا في محيطها الوطني فإن حماس في فلسطين وحزب الله اللبناني لم ينظموا أي تحركات خلال الأزمة (طبعا كان كل منهما مشغول بأحداثه الخاصة من ضغوط نزع السلاح والاستحقاقات السياسية الداخلية) أما الإخوان في مصر فقد دخلوا الساحة متأخرين ،فتحركت فروعهم الطلابية بعد اتحادات الطلاب التي تسيطر عليها الحكومة والتي شارك فيها رؤساء جامعات مثل رئيس جامعة القاهرة (العضو في الحزب الوطني)، وتحركوا في الشارع ليس فقط متأخرين وإنما بعد أن ملأت صور قادة حزب العمل نشرات الأخبار وهم يقودون المظاهرات (إنها المنافسة مرة أخرى)، لقد كان الإسلاميون بين ضغوط العقل والشارع، فهم يعلمون أن الدنمارك ليست إحدى الدول العدوانية، وهم يأملون أن يمدوا حبال الود مع الاتحاد الأوروبي طالما أن أمريكا لن تقبلهم قبل فترة، وهم قبل ذلك وبعده أصبحوا أكثر سياسة عن ذي قبل، ومع نوابهم الكثر في البرلمانات أصبحت الاستحقاقات المحلية أكثر أهمية لهم.


مع التيار
وبعد هدوء اقوى موجات تسونامي الرسوم، بدأ بعض المتنورين العرب في رفع رؤوسهم وتقديم مقاربات مختلفة حول الموضوع سواء في مواقع الإنترنت ومن بينها المواقع اليسارية (وأهمها في رأيي الحوار المتمدن) أو غيرها أظهرت نقدا هادئا في البداية لحالة الهياج الجماعي التي أصابت المنطقة حول الموضوع، تحول مع الوقت إلى سخرية حادة ونقد عنيف لانعدام العقل في معظم تناولات الموضوع، وتجدر الإشارة إلى قيام عدد من المتنورين إلى استخدام بعض وسائل الإعلام السعودية التمويل كمنبر لهم ضد حالة الهياج الجماعي (لم تكن مواقفهم بالطبع بوضوح مع حرية التعبير المطلقة وضد الهجوم على الدنمارك، ولكنهم قدموا مقاربات مرتكزة على ضرورة وقف حالة الهياج الجماعي وتناول الموضوع بتعقل)، أما العجب العجاب فظهر في مواقف اليسار العربي المتنظم (سأتناول مواقفه في مصر) فالكل أجمع على إدانة نشر الصور (وأنا كشخص "عبيط" كنت فاكر أن حرية نقد الأديان أمر متفق عليه لدى اليسار) فتسابق "حزب التجمع" و"مركز الدراسات الاشتراكية" على إدانة نشر الرسوم، واستخدم "التجمع" كلاما عجيبا عن الكيل بمكيالين مع الربط بين السماح بنشر الرسوم ومنع النشر في التشكيك بالهولوكوست، وهو كلام عجيب للغاية لأن التشكيك بالهولوكوست أمر لا علاقة له بالأديان وإنما بتاريخ أوروبا الحديث، وتجريمه تم ليس في سياق حماية "اليهود" من النقد، وإنما في سياق تطورات سياسية أوروبية تسعى لمحو أثر الحقبة النازية من التاريخ الأوروبي والتكفير عن أخطائها، وقطع الطريق على من يحاولون استعادتها أو تجميل وجهها البشع، بينما نقد الأديان عمود رئيسي ضمن أعمدة التنوير الأوروبي( وطرح الكيل بمكيالين عموما طرح ديماجوجي يذكرني بأحد نجوم البرامج الحوارية الذي تثير أمامه مسألة من مسائل الأقباط في مصر فيقول لك "وكنت فين لما اليهود ضربوا كنيسة البشارة"!!!!!!!!!!!!).
أما بالنسبة لموقف "مركز الدراسات الاشتراكية" فقد ركز على نقد ما أسماه العنصرية والنفاق، العنصرية من قبل الغرب، والنفاق من قبل الحكومات والتجار العرب، حيث استعانوا في الإدانة الأولى بكلام معقول وإن كان في غير موضعه، فالغرب به عنصرية، ولكن العنصرية لم تكن موجودة هنا، فقد شرحنا من قبل أن الرسوم التي أثارت الضجة ظهر بها نبيا الإسلام والمسيحية، صحيح أن بعض الرسوم عمدت إلى الربط بين نبي الإسلام والإرهاب، (وهنا يجب إدانة محاولة تقديم صورة نمطية للمسلم كإرهابي) ولكن هذا لا يعني أن نشر الرسوم كان "حملة عنصرية تشنها الصحافة الأوروبية" فالحملة في هذه القضية نظمتها الدول العربية على الدنمارك، كما أن التضامن مع الأقليات إذا كان أمرا مفهوما، فإن حالة الهياج في المنطقة أصابت الأغلبية (فهل يتضامنون مع "الأغلبية" المحافظة هنا وضد من!!!)، وأصيب جراءها مسيحيون في نيجيريا وكنائس وممتلكات مسيحية في العراق ولبنان، ونحن هنا لا ننكر معاناة المسلمين في آوروبا، نعم هناك عداء للمسلمين في أوروبا ولكنه ليس مسيطراً على المجتمع هناك، و هو وإن كان زاد في السنوات الأخيرة فإنه مازال يقتصر على بعض الأوساط.
وهذا العداء للمسلمين في بعض الأحيان يمتزج بالعنصرية، وذلك حين يتم تصوير المسلم بشكل نمطي كشخص غير أبيض (أسمر) في حين أن المسلمين ينتشرون في كل الأعراق، البيض والصفر والسود والسمر.
ولكن المسألة التي تفجرت على خلفية الرسوم ليست هي معاناة المسلمين من العنصرية ، ولكنها أزمة شعور أعداد كبيرة من المسلمين في مناطق يمثلون فيها أغلبيات أحيانا وأقليات أحيانا أخرى أنهم في معركة دائمة مع الآخر، وبالتالي فإن كل ما يقوم به هذا الآخر إما أن يكون جزءا من مؤامرة أو حملة أو هجمة وضع خلف هذه الكلمات الثلاث ما تشاء.
وبالعودة إلى أصدقائنا في اليسار المتنظم فإنني أرى أن ما قاموا به كان أقرب إلى السباحة في موجة الأغلبية (مع الحرص على وضع "البرنيطة" طبعا عبر استخدام مصطلحات العنصرية والاستعمار الجديد) وليس تقديم موقف يدعم قيم اليسار، ولا أتذكر ممن سبحوا مع هذه الموجة الآن سوى الكاتب الراحل "عادل حسين" (رحمه الله).




No comments: