صوت ديمقراطي جذري

29.8.06

فى البحث عن حجر الفلاسفة


مشكلات الكتابة الليبرالية للحزب الوطنى: نموذج عبد المنعم سعيد

شريف يونس

كان الخطاب الليبرالى لعبد المنعم سعيد الذى توالى على صفحات الأهرام فى السنوات الأخيرة ظاهرة ملفتة، ترافقت مع صعود ما سُمى الجناح الإصلاحى فى الحزب الوطنى. وعلى خلاف اتهامات التيار القومى لسعيد بانحياز أمريكى، يأخذ شريف يونس خطابه بجدية، ويحاول، أن يناقش هذا الخطاب الجديد وحدوده كخطاب ديمقراطى، وفقا لمعايير ديمقراطية جذرية، ويُرجع محدوديته إلى طبيعة رهان سعيد السياسية.

يحتل عبد المنعم سعيد منصبا رسميا مرموقا فى الأهرام، بوصفه مدير مركز الدراسات، وهو أيضا عضو لجنة السياسات الصاعدة داخل الحزب الوطنى. ولهذين السببين معا يعتبر الكثيرون كتاباته مجرد دعاية.. كما يتهمه التيار القومى بأنه مدافع عن الارتباط بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية. ولكننى بعد أن قرأت مقالاته منذ يونيه 2003 وحتى الآن اكتشفت أن المسألة أكثر تعقيدا. بالطبع يقوم سعيد بمهام "دعائية" تصل أحيانا إلى مغالطات فجة دفاعا عن "النظام"، ولكنه يقدم أيضا نموذجا لكاتب سياسى له مشروع فكرى إصلاحى فى اتجاه ليبرالى من داخل النظام، يقدمه عن اقتناع به، وينحاز لخيارات لا تتطابق بالضرورة مع ما أسفرت عنه الصراعات داخل السلطة، حتى أن اقتراحاته أُهملت أكثر من مرة. ومن هنا فإنه يستحق المناقشة العقلانية، التى لا تعفيه بالطبع من نقد، لا أظن أن أفكاره الأساسية تغيب عن سعيد نفسه.. ولكنه قدر ومأساة البحث عن حجر الفلاسفة (تلك الأسطورة التى تتكلم عن مادة تحول التراب إلى ذهب فى الخيمياء القديمة) لتحويل الكيان المسمى الحزب الوطنى إلى حزب أصلاً، فضلاً عن أن يكون حزبا ديمقراطياً، بل ويقود عملية إقامة نظام ديمقراطى.

ليبرالية ذات حدود وطنية:
وصفات الإصلاح كثيرة، بدءا من العودة للسياسات الناصرية كما يطرح الحزب الناصرى مثلا، أو المزيد من أسلمة مجتمع مؤسلم بالفعل حتى النخاع، بغزو بعض مواقع الدولة التى ما زالت محجوبة عن تيار الأسلمة. وصفة عبد المنعم سعيد بدورها لها معاييرها ومنطلقاتها؛ فهو يقرر أولا أن كل التيارات السياسية تريد أن ترى مصر دولة متقدمة تتجاوز مشكلات التخلف، ولكن رؤيته الخاصة هى القادرة على ذلك الهدف، وهى تتمثل فى الرأسمالية والديمقراطية. وهو يرفض إرجاء الإصلاح السياسى إلى ما لا نهاية حتى تحدث نهضة اقتصادية. أما منهجه كما ذكره صراحة (11/8/ 2003)، فهو دراسة أحوال الدول المتقدمة (الرأسمالية الديمقراطية)، ثم بحث خصائص التقدم الغائبة عن المجتمع المصرى والحث على تبنيها من حيث كلياتها، مع أقلمة تفاصيلها مع أحوال النظام المصرى.
واتساقا مع ذلك يلاحظ أن مصالح الدولة الأساسية مرتبطة بالرأسمال العالمى، أو، بالتعبير السياسى، بالدائرة الأوربية والأمريكية. ومن هنا فإن مقياس تقدمنا يجب ألا يكون قياس حاضرنا بماضينا (أى خطاب الإنجازات الذى تذيعه علينا الحكومات) بل قياس حاضرنا بحاضر الدول الأخرى، خصوصا المتخلفة التى حققت قفزات تنموية كبرى. وبصفة عامة يستحيل تحقيق تنمية خارج النظام الرأسمالى الغربى.
وبالتالى يرفض سعيد مذهب الخصوصية المصرية، أى القول بأن علينا أن ننشئ اقتصاداً أو رأسمالية من نوع خاص، وديمقراطية "تناسبنا"، على نحو ما كان يقال عن "اشتراكية" عهد عبد الناصر أنها نابعة من "خصوصيتنا"، أو "اشتراكية عربية". فالقائلون بالخصوصية هم فى الواقع أصوات البيروقراطية الحاكمة – أو يخدم خطابهم فى النهاية استقرار سلطتها - التى تعوق التحول الديمقراطى والرأسمالى خوفا على مصالحها، فتسعى للإبقاء على هيمنتها على السوق بالتدخل الإدارى، وبالسيطرة على البنوك وما أمكن إبقاءه من ملكية الدولة، كما تحرص على إبعاد السلطة عن تطفل الديمقراطية.
ووفقا لسعيد، تسعى البيروقراطية لإيقاف الإصلاحات المحدودة التى يجريها النظام، بحيث يكون ما أُعلن من إصلاحات نهاية للعملية، لا بداية لها. وفى كفاحها هذا الذى يرمى إلى استمرار الوضع السياسى كما هو، ترفع خطاب الخطوط الحمراء والثوابت الوطنية، وترمى مخالفيها بخيانتها. وبالتالى يكون الخطاب القومى المنادى بالثوابت، سواء من داخل السلطة أو من المعارضة القومية، هو خطاب البيروقراطية. والقوميون لديهم الكثير مما يقولونه عن الخارج بينما يقل اهتمامهم بقضايا الداخل الملحة. والحال أن خطابهم القومى الراديكالى قد أخفق بالفعل، لأنه اختار لنفسه وللبلاد مشروعا مستحيلا، لا يقل عن مواجهة الهيمنة الأمريكية على العالم. فهو خطاب أمانى بلا برنامج عمل ولا سياسات مبنية على رؤية للمستقبل. ويتمثل فشله بوضوح، كما يقول سعيد، فى لجوء أنصاره فى النهاية إلى تفجير أنفسهم فى العمليات الانتحارية.
يطرح عبد المنعم سعيد أفكاره إذن باعتبارها مشروع التطور الرأسمالى فى مواجهة البيروقراطية وخطابها القومى/ الدينى، ويعتبرها سبيل الخلاص. ولكنه يقبل مع ذلك النقطة المحورية فى الخطاب القومى، وهى فكرة العزة الوطنية، ثم يعيد تفسيرها لصالح مشروعه.. فيقول، إن مشروعه هذا سيحقق فى سنوات قليلة قفزة اقتصادية كبرى، لأنه سيحرر رأسمالا ميتا تعتقله القيود البيروقراطية وسيجتذب رأسمالا دوليا، وأنه بهذه الطريقة سيجعل مصر الدولة التاسعة التى تنضم لمجموعة الدول الثمانى العظمى (لا أدرى على أى أساس)، وسيجلب لها، بدمجها فى النظام العالمى كدولة كفؤة، مقعداً دائماً في مجلس الأمن، كما سيصحح الاختلال الرهيب فى توازن القوى بما ينهى ما يشكو منه القوميون من "مرمغة الشرف العربى فى الوحل" فى الاعتداءات الغربية والإسرائيلية.

ديمقراطية مشروطة بالنظام القائم
بدلا من فهم ما يطرحه سعيد كمبالغات متفائلة فحسب، أراها حالة واضحة من حالات وقوع الخطاب الديمقراطى الليبرالى بشكل أو بآخر فى شباك الخطاب القومى، الاستبدادى بطبيعته، ولو بمحض ادعاء أرضية وأهداف مشتركة. الخطاب الديمقراطى الليبرالى يعتبر حرية الفرد وخضوع السلطة التنفيذية للآليات الديمقراطية أهدافا فى حد ذاتها، ليس ثمة حاجة لتبريرها بأنها تخدم أهداف أخرى. قد يشير الليبراليون إلى أن المجتمع الذى يرمون لإنشائه أكثر كفاءة، ولكن المعيار الأعلى يكون هو "حقوق الإنسان والمواطن"، أى أن الناس حين لا يحكمون أنفسهم بأنفسهم، وحين لا يتوفر للأفراد الحريات الشخصية والمدنية والسياسية، يكونون قد اعتُدى عليهم، ويكون لهم حق الثورة.
ولكن من أين أتى هذا الاختلاف عن الرؤية الليبرالية الديمقراطية؟ يبدو لى أن مصدره الرهان على إصلاح ديمقراطى من داخل النظام الاستبدادى القائم (ينفى سعيد بالمناسبة أنه نظام استبدادى). ولعل القارئ قد لاحظ أنه أيضا يصف النظام الذى أقيم منذ يوليو 1952 بسيطرة البيروقراطية، وبالتالى فإنه يقسم النظام القائم من الداخل إلى قسم نصير لاستمرار هيمنة البيروقراطية، ومعه كثير من العناصر المعارضة، وقسم معاد لهذا الاستمرار، موجود أساسا داخل النظام نفسه.
بناء على ذلك فإن مشروعه ليس سوى طبعة أخرى من مشروع تحقيق "الثورة (الديمقراطية) من أعلى"، برغم نقده الصريح لمبدأ "الثورة من أعلى" فى العهد الناصرى. فهو يراهن على تطورات متوقعة داخل "الحزب الوطنى" أساساً، وعلى "برنامج جديد وحدود جديدة للعمل قد تحتاج فريقاً مختلفا يؤمن بالفعل بكل ذلك الجديد وقادر تماماً على الدفاع عنه سياسيا"، ويتمثل هذا الجديد فى خصخصة كاملة وفتح أبواب الاستثمارات الأجنبية (14/6/4). كما أن الحزب الوطنى فى رأيه باتت تجرى فيه أكثر النقاشات والتفاعلات حيوية بين الأحزاب المصرية (برغم أنه ما زال، باعترافه، عاجزاً عن تطوير السياسة)، ونخبته هى صاحبة الفضل فى الدفع فى اتجاه الإصلاح والتغيير (ولكنه والحق يقال أضاف جمعيات المجتمع المدنى وحركات التغيير المختلفة مرة).
ولا بد أن نلاحظ هنا أن سعيد يأخذ الصراع بين "جناحى" الوطنى بجدية، وهو لا يدافع عن كل ما يتخذ من قرارات ويتبع من سياسات. ففور تشكيل وزارة نظيف طالبها بإعادة هيكلة الوزارات وتقليل عددها وإصلاح نظام الإدارة المركزى والمحلى، وطالب الحكومة بالدفاع عن التحول الرأسمالى بشكل سياسى أمام المجتمع، بما يجلب تأييداً سياسياً يسمع بإجراء الإصلاح، لأنه سيكون بمثابة عملية تغيير عميقة، "جراحية" بتعبيره. كما طرح مطالب ديمقراطية مختلفة، مثل حماية الانتخابات التشريعية من التزوير والبلطجة وتحقيق عدالة الدعاية فى أجهزة الإعلام... الخ. ومع الإعلان عن تعديل المادة 76 من الدستور، رحب به مع التنويه باعتباره تعديلا جزئياً، ستتلوه تعديلات بعد الانتخابات، منتقدا القائلين فى أوساط السلطة بأنه آخر التعديلات الدستورية. وحين أُقرت المادة 76 بحالتها المعروفة نوه إلى أن هذه الصياغة تمثل انتصار أنصار "الديمقراطية العربية" التى يكون فيها للحزب الحاكم رأى فى المرشحين المنافسين وهزيمة لأنصار الأخذ من التجارب الديمقراطية العالمية (مثله)، أو بصريح عبارته جعلت المادة الحزب الوطنى "خصما وحكما" فى نفس الوقت. وأدى به ذلك إلى نقد حاد اللهجة لتصريحات صفوت الشريف بشأن ديمقراطية ذات طبيعة خاصة، تقاس فيها الأحزاب بعددها لا بكفاءتها، ويكون فيه الوزراء خصما وحكما فى الصراع مع المعارضة، ويمتلك فيها النظام الصحف القومية.. ووصل أخيرا (4/7/5) إلى نقد الحزب الوطنى من حيث عدم تحوله بما يكفى، وعدم اضطلاعه ببناء نظام ديمقراطى كامل الأركان.
ليس سعيد إذن بوقا للنظام يفتقر إلى مشروع. غير أن موقفه العام يظل ببساطة الإصلاح من خلال مناورات وانقلابات القصر الجمهورى. فتشخيصه العام، كما قلنا، هو أن النظام فى أساسه ليس استبدادياً برغم أنه ليس ديمقراطياً تماماً، مستدلاً على ذلك بمناقشات مجلس الشعب وأحكام المحكمة الدستورية العليا وعدد الأحزاب والمحطات التليفزيونية الخاصة والصحف المستقلة... الخ. ويُفهم من ذلك أن ثمة إمكانية للحركة والاختلاف داخل النظام. وبالفعل يقول أن الحزب الوطنى وحكومته الجديدة يريدان توزيع الثروة على الناس، بينما بيروقراطيتهما لا تريد ذلك، واضعاً تلك النخبة المفروضة من أعلى فى مقابل الحزب ذى العضوية المليونية وبيروقراطية الدولة. ويتلخص أمله فى أن يتحول الحزب على نمط تحولات الحزب الدستورى الحاكم فى المكسيك لتسيطر عليه جماعة من التكنوقراط غير الشعبويين بدلا من البيروقراطية.
وإذا كان سعيد يصل إلى انتقاد الحزب الوطنى كما رأينا، فإن موقفه من أحزاب المعارضة هو أنها لا تمتلك برامج حقيقية (14/6/4). كما انتقد موقفها فى معارضة الاستفتاء على تعديل المادة 76، برغم تحفظه هو نفسه على التعديل، لأن المقاطعة موقف انسحابى غير مسئول، بينما امتدح حزب الوفد لدخوله الانتخابات الرئاسية. ولكن أفقه فى تفعيل المعارضة محدود بما يطرحه الحزب الوطنى نفسه من خيارات؛ فهو يرحب بحوارها مع الحزب الوطنى (برغم أنه حوار جماعات محدودة بينما يبقى معظم الشعب خارج نطاق السياسة أصلا)، ولكنه ينتقد طلبها حشد مظاهرة فى ميدان عابدين بحجة أن "وسائل الإعلام لا تحتاج لحالة الارتباك المرورى والأمنى لنقل الوقائع ونقل الأخبار والبيانات المشتركة" (18/11/4)، بما يعنى أن على الأحزاب أن تواصل اجتماعاتها فى الغرف المغلقة وتعبر عن مواقفها بإصدار بيانات لوسائل الإعلام. وبرغم أنه استنكر ما حدث يوم الاستفتاء من اعتداءات فإنه فى الاعتداءات على مظاهرات 30 يوليو لرفض ترشيح مبارك للرئاسة، وما صحبه من اعتداء بدنى وخطف وحبس فى مكان غير قانونى وتلفيق قضايا، صرح بأن هذا الاعتداء البشع لا صلة له بأية حسابات سياسية، فـ"الأمر يتعلق بالأمن فقط، فقرار التعامل مع المتظاهرين أمنى بحت وليس سياسياً ويتوقف على رؤية رجال الأمن للموقف..." (المصرى اليوم، 1/8/5، ص4)، مبرئا النظام من أفعال الأمن، كما لو كانت قوات الأمن جهة مستقلة داخل النظام، دون حتى أن يصل إلى إدانة تلك الأفعال. وفضلا عن ذلك لم يحدث أن استنكر سعيد تلك الحشود الهائلة من قوات أمن مجندة تحيط بالمتظاهرين فى كل المظاهرات بهدف الحيلولة دون تفاعلها مع الجمهور، أى بما يحول دون "عودة السياسة" التى يطالب هو نفسه بها.

ديمقراطية من أين وإلى أين؟
يعنى موقف سعيد فى مجمله إذن المراهنة على انقلاب قصر، تلعب فيه المعارضة دورا محفزا (إلى جانب المحفزات الخارجية) محدودا بحدود خطوات النظام نفسه. أى أنه يدافع تحول رأسمالى و"ديمقراطى" أيضا من أعلى. غير أن هذا النقد العام فى حاجة إلى كثير من التفصيل.
تبدأ مشكلة سعيد من إنه لم يبرهن أصلا على أن التقدم والرأسمالية مرتبطان بالديمقراطية. بل يقول أن ثمة "معامل ارتباط" بينهما. والحال أن السياسة العقلانية لا يمكن أن تقوم على ارتباطات إحصائية، على الأقل فى الخطوط العامة. فلو كان هناك استثناء، ولو واحد، قد يكون هذا الاستثناء هو الذى ينطبق على حالتنا بالذات، أو قد تكون حالتنا استثناء ثالثا أو رابعا. وبعبارة أخرى كان على سعيد أن يبين أن الديمقراطية ضرورة للتطور الرأسمالى فى الحالة المصرية، والأهم من ذلك أن شروطها وقواها متوافرة، وليست حلما خياليا، ويطالب بالتالى بمساندتها على هذا الأساس. ويرجع ذلك ربما إلى أن شروط الديمقراطية عنده لا تتعدى وجود مجموعة فى لجنة السياسات ترمى لإقامتها، وبالتالى لا تتطلب المسألة أكثر من تحسين الديمقراطية فى عينيها.
وبنفس المنطق الوظيفى يقول سعيد أن الديمقراطية ضرورة لتعبئة الموارد الوطنية. وبصرف النظر عن أنه لم يثبت صحة مقولته أصلا، فإنه لا يوجد مفهوم واحد لتعبئة ما يسمى الموارد الوطنية إلا من وجهة نظر سلطة مهيمنة فى دولة شمولية، تختصر بلداً في ذاتها. ففى دولة بها قدر معقول من الصراع الاجتماعى والسياسى، توجد مفاهيم عديدة لتعبئة الموارد، أو بالأدق استخدامها، تفضى إلى سياسات مختلفة، تفيد قطاعات مختلفة فى المجتمع بنسب مختلفة، الخ. فمثلا قد يعتبر تقديم إعانة بطالة، بل والإنفاق على تأهيل وتدريب العاطلين، من وجهة نظر معينة، إهداراً لموارد قابلة للاستثمار، وقد يعتبر من وجهة نظر أخرى حفاظا على موارد بشرية ضرورية. كما أن الاختيار بين هذه السياسات ليس مسألة عقلانية تتعلق بشىء عمومى يسمى التقدم، وتقرره لجنة من الحكماء، بل تتعلق بصراع بين مصالح مختلفة.
والأهم أنه يعرض الديمقراطية والرأسمالية كوصفة لتحقيق أهداف معينة، مثل النهضة أو العزة الوطنية، وما أشبه. وتبدو المسألة وكأننا أحرار فى اختيار أهداف عامة للمجتمع. وواقع الحال أن المسألة ليست كذلك. فالرأسمالية أو الديمقراطية لا تنشأ بقرار، أو باكتشاف يقدمه البعض باعتباره أساس تحقيق نهضة، وإنما التطور والصراع الاجتماعى هو الذى يطرح إمكانية تطور الرأسمالية أو الديمقراطية، وينشئ القوى التى تناضل من أجلهما. ولهذا لم تكن ثمة أفكار عن الديمقراطية طيلة العصور الوسطى الأوربية أو الإسلامية أو الصينية على السواء.
بعبارة أخرى، لا يمكن تبنى الرأسمالية كوصفة لتحقيق أهداف معينة، موضوعة سلفا. وهنا يجب أن نتوقف بعض الشىء عند مفهوم السياسة كوصفة. لا شك أن كل فعل سياسى ينطلق من تصورات معينة عند فاعله. فهو فعل إرادى له هدف يستند إلى رؤية بشأن أهمية الهدف أيا كان. غير أن السياسة الواقعية لا تعتمد على هذا وحده. فالفعل السياسى فعل مركب، ينطوى على تقدير الظروف المواتية وغير المواتية، والتحالفات الممكنة، والخصوم الذين يمكن تحييدهم، وحفظ التماسك الداخلى للتنظيم السياسى نفسه... وعوامل أخرى كثيرة. بالطبع كل حزب له توجهات عامة، غير أن توجهه هذا لا ينبع أساسا من عقول مفكريه، وإنما من ارتباطات الحزب الفعلية. مثلا الأحزاب العمالية أكثر ارتباطا بالنقابات العمالية، وتحدد حركتها، من بين أشياء أخرى، فى ضوء هدف الحفاظ على مكانتها فى النقابات العمالية وتوسيعها، وضغوط رجال النقابات أنفسهم داخل الحزب، والمنافسين المحتملين، الخ. ولهذا فالسياسة ليست وصفة، وإنما هى أقرب لتوجه عام نحو أهداف معينة مرتبطة بطبيعة التنظيم السياسى المعنى، ووضعه داخل خريطة سياسية عامة ومتغيرات اجتماعية.
وبالطبع يتضمن كل مجتمع مفكرين سياسيين، فى الأحزاب ، يقومون ببلورة توجهات الحزب وصياغتها فى أفكار عامة، والدفاع عنها. كما يوجد مفكرون خارجها تكون رؤيتهم عادة نقدية للوضع القائم بمجمله. وفى حدود وضع سعيد لفكرتى الرأسمالية والديمقراطية فى مواجهة التوجه القومى/ الدينى، يكون كاتبا سياسياً. ولكن بقدر ما أنه لا يستند إلى أى تيار سياسى بالمعنى المفهوم، على ما سنرى، فى حزبه "الوطنى الديمقراطى"، فإن دفاعه عن مشروعه كوصفة يعنى ببساطة تكريس فكرة معادية للديمقراطية، بقدر ما أنها تقدم مشروعها كنصيحة عامة، بغير أي برنامج حقيقي (وهو ما أخذه هو نفسه على التيار المعادى). فتبدو المسألة وكأن الخبير يطلب تطبيق مشروعه لأنه "سليم"، أى كأنه يعرض بضاعة فكرية بصرف النظر عن القوى التى تتبناها، وبغير حاجة إلى البرهنة على إمكانيتها العملية، سوى بالإشارة إلى أنها نجحت فى مجتمعات أخرى.
ولعل هذا كله يرجع إلى وضع سعيد نفسه، و"لجنة السياسات" التى ينتمى لها، حيث تعمل واقعيا كمستشار للنظام، منعدم السلطة الذاتية، وذلك لأن اللجنة غير نابعة أصلا من الحزب على ما سنرى. ولذلك أيضا سنجد أن سعيد من أنصار إحلال تكنوقراط غير شعبويين فى الحزب محل البيروقراطية، أى أنه يدعو إلى نوع من حكم الخبراء من أمثاله. وهو مطلب بعيد عن الديمقراطية السياسية تماما.
الأهم من كل ذلك أن كل وصفة يتم تقديمها بمنطق وظيفى، أى من حيث أهميتها لتحقيق هدف آخر، هى فى النهاية إيديولوجيا، أو دعاية، تصب لصالح إقناع القارئ بمساندة مشروع معين، تقوم عليه جهة معينة، حزب أو جماعة أو مؤسسة ما. وخلاصة طرح سعيد كما رأينا هو أن الرأسمالية والديمقراطية سوف يحققهما الحزب الوطنى.
هنا بالذات، فى هذه النقطة المحورية، يترك سعيد القارئ فى العماء. فبصرف النظر عن مواقفه غير الديمقراطية ولا الليبرالية التى تصل إلى تبرئة النظام من القمع المنظم الذى تمارسه أجهزة أمنه، فإنه لم يقدم شيئاً يجعلنا نقتنع بأن توقعاته فى محلها، فلم يقدم لنا أى تصور عن طبيعة الصراعات داخل الحزب وتطوراتها، ولا التحالفات الممكنة التى قد يستند إليها الخيار الذى يتحمس له، ولا الإصلاحات الضرورية لبنية الحزب وهيكله التى يجب الدفاع عنها لمساندة هذا التحول... الخ. كل ما قدمه هو إعجابه بمناقشات "الحزب"، والمقصود غالبا لجنة السياسات، فسعيد فيما أعلم ليس عضوا فى لجنة قرية أو حى أو محافظة.
والحال أن هذه اللجنة معينة لا تستند سوى لسلطة القصر الجمهورى، فهى فى الواقع أشبه بناد سياسى يقدم فيه الخبراء من أمثاله اقتراحات لأناس لم ينتخبهم أحد، ولا الحزب الوطنى ذاته، وقد يفوض لهم سلطات بنفس طريقة الإملاء من أعلى. ويعرف سعيد أكثر من غيره أن الحزب الوطنى، بفرض كونه حزبا سياسيا، يفتقر إلى آليات ديمقراطية عن عمد، وفى صميم لائحته، وأن اللجنة التى تعجبه مناقشاتها، يستحيل القول بأنها تعبر عن تيار سائد داخل الحزب أو تمثله على أى وجه فى صراعها مع الحرس القديم. فاللجنة أقرب إلى أداة أنشئت بقرار رئاسى بهدف إجراء تحويرات فى "الحزب" من أعلى، لا أكثر. وهو قرار لا يستمد ثقله من مجرد رئاسة الحزب، بل من رئاسة الرئيس للنظام. ورئيس اللجنة نفسه يفتقر إلى أية خبرة سياسية بالمعنى الحقيقى، فلا يعرف عنها شيئا (من قبيل التعبئة والخطابة والكتابة وصياغة المواقف) سوى سلطة اتخاذ القرار التى مُنحت له من أعلى.
وسعيد نفسه يتمنى للحزب أن يقع فى يد التكنوقراط (أصحاب الكفاءات المهنية من أمثاله) بدلا من البيروقراط، على نمط الحزب الدستورى فى المكسيك فيما قال (ونلاحظ عرضا أن الوضع فى المكسيك مختلف من نواح كثيرة، أبسطها أن المكسيك دولة فيدرالية بها برلمانات محلية، وبالتالى حد أدنى من الحراك السياسى، ولكن سعيد لم يناقش التشابه مع نموذجه المقترح بما يكفى). وحكم التكنوقراط لحزب ما ليس فى النهاية عملا من أعمال السياسة، بل عمل من أعمال انقلاب القصر، يذكرنا كثيرا باحتجاجات "أهل الخبرة" فى العصر الناصرى على تولى "أهل الثقة"، وأساسا الأمن، السلطة عليهم.
لكى يحل "أهل الخبرة" التكنوقراط (مثل سعيد نفسه) محل "أهل الثقة" فى السلطة يجب أن توجد رافعة ترفعهم إليها. وهذه الرافعة إما أن تكون قوة من خارج جهاز الدولة نفسه، أى قاعدة شعبية يستند إليها "الحزب" المذكور، وآليات ديمقراطية داخل الحزب تنتخبهم، وإما أن تكون السلطة البيروقراطية نفسها. فى الحالة الأولى نحن أمام خيار ديمقراطى.. ومؤداه فى الحقيقة أن ينزاح أهل الخبرة والثقة معا أمام أهل السياسة، أى العناصر القادرة على تنظيم المصالح الاجتماعية وبلورتها فى مطالب سياسية والمناورة والضغط بها. وفى هذه الحالة يحصل أهل الخبرة على سلطاتهم الحزبية بوصفهم أساسا أهل سياسة، وبفضل قدراتهم السياسية. أما فى الحالة الثانية، فيتم استخدام الخبراء كمستشارين مفروضين من أعلى، يمكن أن تُضرب بنصائحهم عرض الحائط، كما حدث مرارا مع سعيد نفسه (إذا افترضنا أن ما يكتبه من اقتراحات أُهملت يثيره داخل اللجنة).
والحال أن طرح سعيد لا يُفهم إلا فى إطار الخيار الأخير. فيبدو أنه ليس مع خيار ديمقراطى حقيقى، يصل إلى حد المطالبة بحل الأمن المركزى مثلا، وإطلاق حرية التعبير والتظاهر (لأن المظاهرات يهيمن عليها التيارين القومى والدينى المتشابهان)، ووضع الحزب الوطنى على محك منافسة سياسية حقيقية، أو حتى البدء بإصلاح جذرى لبنية الحزب.. فهو أسير خيار وحيد، هو الارتكاز على رافعة ابن الرئيس، لعل وعسى.. ومحاولة اقتراح مزيد من الإصلاحات، وإقناع رأس السلطة بها. وهو خيار أقل ما يقال عنه أنه ليس ديمقراطيا إلا من حيث الاسم.. فهو ليس سوى مشروع سلطوى لإقامة "ديمقراطية" من أعلى. وفى هذا الإطار نفهم انبهاره بمناقشات تدور فى الخفاء داخل لجنة السياسات، لا صلة لها بالرأى العام، ولا تعبأ به أصلا.. وإنما تستند إلى صلاحيات السلطة العليا فى فرض ما قد تقتنع به من حصيلة المناقشات من قرارات.
ويدعو سعيد الحزب والوزارة (أو قمتهما المعزولة كما يقول هو نفسه) إلى تنفيذ سياسات جريئة لتحقيق النهضة الرأسمالية وأن يدافعا عن خياراتهما سياسيا كما رأينا. وبصرف النظر عن أن المجال السياسى نفسه ضامر، فإن الحزب نفسه أثبت أنه يفتقر إلى أية قدرات سياسية. فما حشده من مظاهرات مضادة لتأييد الرئيس كان عبارة عن أفراد مأجورين. والأهم من ذلك هو أن ما تم تحميله لهذه "الحشود" الهزيلة من شعارات كان في غاية البذاءة والانحطاط، فهى لم تخرج عن التخوين الوطنى للمعارضين والتعبير عن إعجاب شخصى غير سياسى بالرئيس. وفى الأقاليم خرجت "جموع الوطنى" لتمنع نفسها والناس من الاستماع، مجرد الاستماع، للمعارضة، فى تبعية مباشرة لأجهزة الأمن، ووصلت فى ذلك فى حالة أيمن نور إلى استخدام الأسلحة. وليس خافيا على سعيد بالطبع كيف تظهر لافتات تأييد الرئيس ومرشحى الحزب كالفطر فى غمضة عين فى كل أنحاء البلاد دون أن يدفع الحزب مليما واحدا، اعتمادا على آلية المصالح المتبادلة والضغوط الإدارية، التى هى السلاح الوحيد للحزب... الخ الخ (ولذا حين ينتقد سعيد الفقر السياسى للأحزاب المعارضة يتذكر المرء الحكمة المشهورة التى تنهى المرء عن أن يرى القشة فى عين "حزب أخيه" ويتجاهل الخشبة فى عين "حزبه").
والخلاصة أن حزب التكنوقراط (أو جماعة التكنوقراط المرتكزة بدورها على أجهزة الأمن) كحزب البيروقراط منعدم الإمكانيات السياسية. ولذا فإن دفاع حكومة نظيف عن سياستها، كما تمنى سعيد، لا يتصوره سعيد نفسه أصلاً إلا كنوع من إصدار البيانات، أو ربما الحديث فى الفضائيات، على نمط ما نصح به سعيد نفسه أحزاب المعارضة.. أى "سياسة" مطهرة من الرأى العام إلا كمستمع غير مشارك وغير فاعل. فالديمقراطية هنا فى أقصى حالات سعيد "انفتاحا"، لا تفترض أكثر من ذات الفرد المعزول الذى أقامته "ديمقراطية يوليو السليمة". وكل ما يستجد عليه هو أنه يصبح بمقدوره أن يستمع إلى أقوال وبيانات مختلفة ويوازن بينها، ويجلس فى صمت يكون رأيا فى بيته، أو فى اجتماع مغلق للحزب، إذا انضم إلى أحد أحزاب الغرف المغلقة بأوامر الأمن "المستقل"، إلى أن يحين وقت مطالبته بالتصويت فى انتخابات ما. مثل هذا التصور التكنوقراطى للسياسة لا صلة له بالسياسة بأية حال.. فالمشاركة السياسية تنبع أولا من القدرة على التنظيم المستقل بشأن مختلف شئون الحياة، فى الجمعيات الأهلية والنقابات والأحزاب والأندية وغير ذلك.
وقد يقال أن هذه نقلة للأمام.. ولكن المسألة أعقد من ذلك. فلكى يكون للناس صوت يستطيعون الإدلاء به على خلاف رغبة أجهزة الأمن التى تتلاعب بالأصوات بقرارات سياسية، يجب أن يكون لهم قوة أصلا تمكنهم من فرض احترام صوتهم نفسه.. وهو ما لا يتحقق بجامعات يتم تعيين رؤسائها وعمداء كلياتها ويتحكم الأمن فى كل صغيرة وكبيرة فيها، وقرى يتم تعيين عمدها ومشايخها، وجمعيات أهلية لا تقوم ولا تستمر إلا بقرارات إدارية، ونقابات يتم التحكم فى لوائحها وتتدخل الأجهزة الأمنية بمختلف الوسائل فى تشكيلها ووضع حدود نشاطها، بقوة الأمر الواقع وبصرف النظر عن أى قانون، ناهيك عن عمليات تشجيع أنماط معينة من المعارضة بدعم جرائد أسبوعية "مستقلة" وحركات سياسية "معارضة" وغير ذلك من أشكال التدخل الصارخ التى لا تخفى على متابع جدى للشأن العام.
ولما كان الأمر كذلك، ولا أظن أن فيما قلت شيئا جديدا على باحث مهتم بالحياة "السياسية" المصرية مثل الدكتور سعيد، فما هو الموقع الحقيقى لخطاب سعيد دفاعا عن الرأسمالية والديمقراطية؟ فى ضوء كل ما سبق لا يختلف الأمر كثيرا عن الدور الذى لعبه هيكل قديماً.. أي تهيئة الأذهان لتغيرات مقبلة قادمة بقوة دفع غير ديمقراطية، وتقديم خطاب عام يدافع عنها، وتسخير العلم والمكانة العلمية لهذا الغرض. فمثل هيكل، وعلى خلاف "المطبلين والمزمرين"، لا يكتب سعيد، والحق يقال، وعينه أساسا على الحاكم الذى سيقرأ، بل يكتب لجمهور القراء، بهدف الترويج لفكرة إصلاحية معينة هو نفسه مقتنع بها. ولكن اقتناعه هذا لا يصل إلى حد المراهنة على المجتمع الذى يتوجه له كقوة تغيير أساسية، أو على انقلاب معادلات السلطة لصالح ديمقراطية حقيقية من أسفل، وإنما يساهم ببساطة بدور فى تسويغ مشروع يعتمد فى المقام الأول على آليات انقلابات قصر صغيرة متتالية، وتقديم نوع من التبرير الإيديولوجى لهذه الانقلابات التى يتوقعها ويتفاءل بشأنها خيرا.
وفى النهاية يبدو من كل مقالات سعيد أنه يأمل أن يسفر هذا فى خاتمة المطاف عن تحول حقيقى نحو الديمقراطية وسلطة الرأسمالية.. كيف؟ هذا ما لم يقدم عنه أبدا إجابة شافية أو واضحة. ولهذا فإننا إذا افترضنا أن قارئا ما اقتنع بحجج سعيد بشأن أفضلية مسار الرأسمالية والديمقراطية، فإن هذا القارئ سيجد نفسه، ما لم يكن هو نفسه عضوا بلجنة السياسات، مضطراً فورا لتجاوز سعيد، لأنه ببساطة لن يكون متاحا له أن يغير سياسات الحزب الوطنى حتى لو انضم له، لأنه منظمة سلطوية أساسا، وسيكون عليه أن يسعى للانضمام لحزب ليبرالى حقيقى، ثم يكافح لكشف حدود خطاب سعيد نفسه.
وفى النهاية، إلى أن يثبت سعيد أن النظام وحزبه قادران بالفعل على التحول الداخلى إلى الديمقراطية، تظل قيمة خطابه منحصرة فى الدفاع المجرد عن الرأسمالية والديمقراطية فى مواجهة خطاب قومى/ دينى غالب فى أوساط الحكم والمعارضة على السواء. قد يكون النظام قادراً على اتخاذ بعض الخطوات نحو تحسين مؤسسات الدولة ودفع القطاع الخاص للأمام. ولكن فى ضوء الفقر السياسى الشامل للنظام، لن تكون هذه سوى خطوات تمهيدية لبلورة قوى ديمقراطية حقيقية مستقبلا، قوى لا تحلم بإحلال التكنوقراط محل البيروقراط، وإنما تحلم بإنشاء مجال سياسى يحكمه رجال السياسة، يعتلى جهاز الدولة ويقوده ويعيده إلى دوره المناسب، دور التابع، ويعيد الأمن إلى مكانه الطبيعى، وهى معركة ليست سهلة ولا تتحقق بمجرد بيان أهمية الديمقراطية والرأسمالية.
برغم هذا النقد، لا أعتقد أن خطاب سعيد ليس هو العدو الأساسى لديمقراطية جذرية، فالخطاب الوطنى/ الدينى الذى يواجهه سعيد هو الدعامة الأساسية لسلطة البيروقراطية. أما خطاب سعيد فهو، فى حدود أفكاره العامة هذه، قد يلعب دورا إيجابيا بشرط الانتباه لحدوده الضيقة فى الواقع السياسى العملى. فكل دفع نحو مبدأ الديمقراطية، ولو على طريقة سعيد المحدودة، يفيد فى معركة الديمقراطية. وقد وجه سعيد بالفعل ضربات قوية منطقيا للخطاب القومى والدينى.. دفعت إلى دمغه بواسطة هذه التيارات بأنه "أمريكانى" وما أشبه، وبالنسبة لى فإننى أتفق معه تماما فى نقده الموجه لهما. كذلك فإن كل اتجاه نحو إفساح مجال للفعل السياسى، ولو على طريقة المادة 76، يمثل فرصة لحركة ديمقراطية حقيقية، لا أتوقع بحال أن تنبع من الحزب الوطنى مثلما يقول سعيد، وإنما تستغل الثغرات لتعمل على بناء تعبئة سياسية ديمقراطية بين الناس أنفسهم.

No comments: