صوت ديمقراطي جذري

1.6.06

رؤية من الداخل : الحزب الوطني .. فكر جديد و تنظيم قديم

يوسف بشاي

الحزب الوطني هو امتداد الحزب الواحد الذي يحكم مصر منذ أكثر من نصف قرن. وهو الآن يقف أمام تحدي خطير، لأن أي تفعيل للمجال السياسي في الفترة القادمة سيعني إعطاء دوراً أكبر لهذا الحزب داخل تركيبة مؤسسات النظام الحاكم. في هذا السياق تدور محاولات تطوير التنظيم في الحزب الوطني. يقدم لنا يوسف بشاي، أحد الأعضاء الشبان في الحزب، مساهمة في فهم تحديات تطوير المستوى القاعدي للحزب الوطني (الوحدة) الذي يعاني من الترهل وعدم الانضباط.


نقطة البدء في هذا المقال تنصب على فكرة علي أن الحزب الوطني الحاكم في مصر يمتلك من القدرات التنظيمية ما آهله لتحقيق الأغلبية المريحة في كل المعارك الانتخابية التي خاضها منذ تأسيسه عام 1979. لم تكن حالة التداخل الشديد بين الحزب والدولة هي السبب الوحيد في احتكاره للمشهد السياسي المصري خلال العقدين الأخيرين, انما ساعدت قوة التنظيم في تدعيم هذه الهيمنة, وساعدت في افراز قيادات طبيعية تمارس العمل الحزبي كما تعرفه بعض الديمقراطيات الناشئة. الانتخابات البرلمانية دعت لمراجعة هذه "الثوابت", خصوصا بعد نجاح جماعة الاخوان المسلمين في انتزاع 88 مقعد عبر جهود تنظيمية كشفت بدورها عما يعانيه الحزب من تفتت داخلي ظهرت بوادره منذ سنوات ولم تتم معالجتها بالأساليب االصحيحة.
يستعرض هذا المقال الهيكل التنظيمي للحزب الوطني مع التركيز علي مستقبل الوحدة الحزبية كأداة للعمل السياسي علي مستوي القواعد. كما يطرح 5 أسئلة تنظيمية، علي منظرو الفكر الجديد الاجابة عليها قبل الشروع في خوض أي معركة انتخابية مقبلة. ونختم بالاشارة الي بعض المقترحات التنظيمية أهمها اقتحام الحزب لمجال العمل الاجتماعي من خلال تكوين الجمعيات الأهلية.

فكر جديد...طباع قديمة
لقد بدأت أول محاولة حقيقية لاصلاح الحزب الوطني من الداخل قبيل المؤتمر العام الثامن للحزب في سبتمبر 2002. كانت الدوافع الأساسية لتلك المحاولة هي النتائج التي حققها الحزب في انتخابات مجلس الشعب 2000, بعد حصوله علي أقل من 40% من المقاعد وتنامي ظاهرة الانشقاق الحزبي من المستقلين الذين يتحدون الحزب أثناء الانتخابات وسرعان ما ينضمون اليه في حالة فوزهم. وقد أسفرت جهود لجنة التطوير في الفترة ما بين 2000-2002 عن صياغة مبادئ جديدة تواكب العصر وتشكل مضمون الفكر الجديد الذي أنُفق عليه الكثير لترويجه عبر حملات اعلامية منظمة. تبني الحزب الوطني مبدأ المواطنة بقدر كبير من العمومية والغموض. علاوة علي ذلك اعتبر الحزب الحاكم نفسه حزبا لكل المصريين ومنبرا "للوسطية الايجابية". وبرغم الالتباس المتعمد الذي شاب التوجهات الاقتصادية, فان المباديْ الأساسية تستعير مفاهيم حديثة مثل التنمية ودور المجتمع المدني كشريك للحكومة-في تحقيقها.
ان مضمون تلك الرسالة الحزبية يعتبر مناسباً لمؤسسة تعد امتداداً للتنظيم السياسي الواحد بدءً بهيئة التحرير وانتهاءً بالاتحاد الاشتراكي العربي. لقد اعتمدت هذه التنظيمات علي التعبئة الجماهيرية العامة دون استهداف شريحة اجتماعية معينة مثل الموظفين أو العمال أو أصحاب الملكيات الصغيرة. بهذه الصيغة الجديدة, حافظ الحزب الحاكم علي كونه حزبا للجميع Catchall party كما هو شائعا في بعض الدول نذكر منها حالة الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا.

من القمة الي "الوحدة"
ينقسم البناء التنظيمي للحزب الي أربع مستويات هي المستوي المركزي, مستوي المحافظة, مستوي القسم/المركز وانتهاء بمستوي الوحدة الحزبية. رئيس الحزب يجلس علي قمة الهرم التنظيمي, إلا أن الرئيس مبارك لم يتعود التدخل في العمل اليومي للحزب, وانما يفوض ذلك للأمين العام وللأمانة العامة في أغلب الأوقات. تتشكل الأمانة العام من 25 عضو، 12 منهم مسميين, ويتولون إدارة الأمانات النوعية مثل أمانة التنظيم, العمال, الشباب, السياسات, الخ. وهناك المكتب السياسي الذي يعد مجلساً للحكماء ويضم في عضويته رئيس الوزراء, ورئيسي مجلسي الشعب والشوري, والأمين العام, بالإضافة إلي ثمانية أعضاء يختارهم رئيس الحزب. تتحكم الأمانة العامة في تعيين معظم تشكيلات الحزب, بينما يختار المكتب السياسي أمناء المحافظات.
كلا الأمانة العامة والمكتب السياسي يشتركان في اختيار مرشحي الحزب في انتخابات مجلسي الشعب والشوري والمحليات. علي مستوي المحافظة, للحزب الوطنئ 26 أمينا للمحافظات يشكلون هيئة مكتب لكل أمانة ويلعبون دوراً حاسما في تزكية المرشحين للانتخابات عند الأمانة العامة، والتي تستجيب بدورها لاقتراحات أمناء المحافظات. والحقيقة أن آليات العمل التنظيمي للحزب الحاكم تناقض ذلك البناء المركزي للدولة المصرية, وتناقض ما أقره نظام الإدارة المحلية من وجوب استئذان الأقاليم للعاصمة قبل البت في أي قرار اداري مهما كان بسيطاً. ويشهد الواقع علي أن أمين المحافظة هو الذي يعين عمليا الأمناء النوعيين للمحافظات (تنظيم, فلاحين, مرأة, الخ), وبذلك فان أمين شباب الجمهورية ليس له سلطة في تعيين أو إعفاء أمين شباب الغربية علي سبيل المثال. المدهش أيضا أن أمين المحافظة أحيانا ما يتضخم نفوذه ليوازي نفوذ المحافظ, خاصة أن بعض أمناء المحافظات احتكر موقعه ل10 أو 15 سنة متواصلة دون تغيير. هذا الأمر دعي بعض الأهالي للاعتقاد أن المحافظ ممكن أن يتغير بينما لا ينطبق ذلك علي أمين الحزب بالمحافظة.
يأتي بعد ذلك مستوي القسم/المركز, وللحزب الوطني 345 قسم علي مستوي الجمهورية. تراقب أمانة المحافظة علي أنشطة القسم, بينما يمارس القسم ذلك الدور علي الوحدات الحزبية التابعة له.

الوحدة الحزبية: بين الواقع والخيال
الوحدة الحزبية هي نواة التنظيم في الحزب الوطني الديمقراطي، تضم الوحدة 200 عضوا علي الأقل. والوحدة الحزبية لها أسماء شائعة منها الشياخة. عدد الوحدات الحزبية يفتح الباب لاجتهاد قيادات الحزب الحاكم. لقد تحدثت الارقام عن 7700 وحدة حزبية في عام 2004, لينخفض الرقم الي 7350 وحدة حسب تصريحات أمين التنظيم في مطلع 2006*. ويمكن التخمين أن للحزب الوطني 7500 وحدة تتركز حوالي 500 منها في محافظة القاهرة وحدها.
تكشف العملية الديمقراطية داخل الوحدات الحزبية عن مناطق الخلل في بناء الحزب الحاكم. تتشكل لجنة الوحدة الحزبية من 25 عضو برئاسة أمين الوحدة. ينعقد لكل وحدة مؤتمر سنوي ينتخب 25% من أعضاء هذه اللجنة (6 أعضاء) في شهر مارس من كل عام. ويشترط لصحة انعقاد المؤتمر حضور 30% من ال200 عضو المقيدين علي كشوف الوحدة الحزبية.
تشمل اختصاصات الوحدة الحزبية تشجيع نمو العضوية, ودراسة مشاكل الجماهير, ورفع التقارير للمستويات الأعلي. لكل وحدة حزبية أمين عام وأمين مساعد و7 أمناء نوعيين.
المسافة بين الواقع والخيال في عمل الوحدة الحزبية شاسعة. فهناك نسبة كبيرة من الوحدات الحزبية لم تجتمع منذ سنوات, ولا يتجاوز نشاط معظمها إجراء الانتخابات بشكل صوري وإعلان نتائج التجديد السنوي لإعلام أمانة القسم ليس إلا. في كثير من الأحيان, لا يكتمل النصاب القانوني لمؤتمرات الوحدة الحزبية, ويسهل تزوير أسماء الحضور في ظل رقابة شبه معدومة من المركز أو المحافظة. وبذلك تحولت الوحدات الحزبية الي كيانات من ورق لا تبرز أهميتها إلا في موسم الانتخابات حيث يسعي المرشحون الي الاتصال بالناخبين عبر قواعد البيانات الجاهزة في كشوف الوحدات الحزبية. الوحدة الحزبية هي اذن تجسيد لصراع المصالح, فمن يملك الورق يملك الأصوات, وأمين الوحدة ومساعده هم في الأغلب من يحتكرون الأوراق, بل ويوجهون أصوات الأعضاء إلى حد كبير.
لقد فهم مرشحو مجلس الشعب لعبة الوحدات الحزبية, فسارع بعضهم بتشكيل وحدات من أقاربهم أو السعي للسيطرة علي وحدات حزبية قائمة بالفعل. يتم ذلك أحيانا عبر تسديد رسوم العضوية السنوية بالنيابة عن الأعضاء, وذلك بالمخالفة للمادة 61 من النظام الأساسي للحزب. والحقيقة أن سيطرة العائلات الكبرى على الوحدات الحزبية هي ظاهرة في الحزب الوطني. ففي كثير من الدوائر تكون هناك وحدات "عائلية" الطابع, وينعكس ذلك علي اختيار قياداتها بالطبع. تثير تلك المسألة هيمنة الانتماء العائلي/القبائلي علي التشكيلات السياسية المختلفة منذ عهد ما قبل الثورة وحتي اليوم. ومن واقع سجلات الاتحاد القومي في أواخر الخمسينات يتضح احتكار كبار الملاك للجان الاتحاد القومي بشكل يتجاوز حدود المحافظة الي محافظات أخري أحيانا, وتعد عائلات الباسل والجوجري وحزين والقيعي والفقي من الأمثلة الواضحة في هذا الصدد.
الواقع العملي يقول أن الوحدات الحزبية لا تتبع الحزب بقدر ما تتبع النخب المحلية. وخلال انتخابات 2000 و2005 جاهرت المئات من الوحدات الحزبية بمناصرة مرشحين مستقلين في مواجهة مرشحي الحزب الوطني, مما يكشف الفردية المطلقة في الإدارة والضعف الشديد في الولاء الحزبي, ناهيك عن الفقر في الأنشطة وهي السمة التي تشترك فيها معظم تشكيلات الحزب علي حد سواء.
الخطوة الأولي لاصلاح الوحدة الحزبية هو وجود مراقب من الأمانة العامة للاشراف علي انتخابات التجديد السنوي للوحدة في مارس من كل عام, بل أن بعض الكوادر الحزبية علي المستوي القاعدي تطالب بأن يكون الإشراف علي الانتخابات من قبل جهة محايدة من خارج الحزب, ولو من أساتذة الجامعة علي سبيل المثال.

خمس أسئلة تنظيمية تواجه الحزب
إذا كانت الوحدة الحزبية هي الأداة التنظيمية الأولي لتأمين الأغلبية, فان مستقبل هذا التشكيل لن يتحدد الا بالإجابة علي 5 أسئلة تنظيمية ربما قد تحدد مستقبل الحزب الوطني بشكل عام. لم تكن الوحدة الحزبية تشكيلا فعالاً إلا في مواسم الانتخابات التي تنشط فيها بناء علي أوامر المستويات الأعلي, أو تجاوباً مع إغراءات المرشحين التي تأتي في صورة خدمات شخصية أكثرمنها عامة. في ظل هذا الوضع, يكون من الطبيعي أن تفتقر الوحدات الي مقار ثابتة حيث أنه من الأوفر أن تعقد لقاءتها "السنوية" في مقر القسم/المركز أو ربما في مضيفة ريفية في أسوأ الأحوال. الاجابة علي هذه الأسئلة الخمسة مهمة لا تحتمل التأجيل في ظل هذا التفتت الحزبي من ناحية, وفي ظل الكفاءة التنظيمية لجماعة الاخوان المسلمين من ناحية أخري.

سؤال 1: من يقود الحزب الوطني؟
السؤال الأساسي الذي يدور في أروقة الحزب الوطني اليوم ينصب على طريقة اختيار القيادات من المستوي المركزي وحتي مستوي الوحدة الحزبية. يقوم المنهج السائد منذ تأسيس الحزب حتي اليوم علي تعيين القيادات بدلا من انتخابها. الاستثناء الوحيد هو لجنة الوحدة الحزبية المكونة من 25 عضو, والتي ينتخب ستة من أعضاءها في مارس من كل عام. في المستوي المركزي, لا يُنتخب أعضاء الأمانة العامة رغم كونها الهيئة الأعلي في الحزب. وهو مما حول العلاقات الداخلية في الحزب الي شبكة من المجاملات في بعض الأحيان, وذلك طمعاً في إرضاء من في يده قرار التعيين. لا إصلاح داخل الحزب الوطني دون انتخاب نسبة أكبر من القيادات الحزبية, والبداية تتم من أسفل لأعلي أي من الوحدة فالقسم فالمحافظة.
سؤال القيادة هو سؤال متعدد الجوانب. إن المعايير التي يتم علي أساسها تكليف القيادات غائبة. لا توجد معايير مكتوبة لتحديد من يقود ومن يقاد. أحد وجهات النظر تؤمن بأن الأقدمية ومستوي التعليم هما المعايير المطلوبة لعلاج الفوضي في تعيين القيادات. وبالمناسبة, فان معظم الأحزاب في الدول الغربية تشترط عدد من سنوات العضوية قبل أن يتولي العضو منصباً قيادياً. ربما قد يقلل هذا من ظاهرة القائد "الباراشوت" التي تحدث كثيرا. أما عن مستوي التعليم, فانه من غير المقبول أن يحمل أمناء الأقسام والوحدات الحزبية الشهادة الاعدادية فحسب. المطلوب هو أن يحمل أمناء الوحدات الحزبية مؤهلا جامعيا علي الأقل, والشجاعة مطلوبة لاحداث هذا التغيير.
الحديث عن القيادة يفضي إلى موضوع المساءلة. المساءلة تعني أن هناك قواعد للثواب والعقاب, فليس معقولاً أن تخرج أحد الأقسام عن إجماع الحزب وتناصر مرشحاً مستقلا, فان فاز المستقل فأننا نعفو عما سلف ونبارك القسم علي انشقاقه الحزبي. وإن خسر المستقل فان القسم الذي ناصره منشق وفاسد وربما مدسوساً من المعارضة أو عميلاً للأمريكان! يجب أن تحدد الاثابة لمن التزم حزبيا, وليطبق العقاب علي "من تشيع لعلي".
مسألة الثواب والعقاب مطروحة علي مستوي التصريحات الإعلامية كذلك. قبيل انتخابات مجلس الشعب 2005, توعدت قيادات الحزب المستقلين ببئس المصير. بعد مرحلة التصويت وإعلان النتائج, نسخ الأمين العام هذه التصريحات مستبدلاً مبدأ "الالتزام الحزبي" بمبدأ "كفالة اليتيم", فكل من فاز مستقلاً هو ابن ضال سيتكفل به الحزب هو وأهالي دائرته. كانت عملية ضم المستقلين بعد الانتخابات طعنة نافذة في مصداقية الحزب الحاكم.

سؤال 2: ماذا يفعل الحزب الوطني؟
العمل الحزبي هو تلك الأنشطة التي تخاطب الناس وتشركهم فيها. في الواقع, تعاني أنشطة الحزب الوطني من فقر شديد، في الوقت الذي يسعي فيه الناس الي نشاط حركي يبرز مشاكلهم المحلية ويعالجها. الشباب أيضا في حاجة الي أنشطة تنموية ترفع من مهاراته وتؤمن له فرص أفضل للتشغيل. بديل هذه الأنشطة سيكون السلبية, والادمان, وربما التطرف.
أنشطة الحزب في قواعده تقتصر علي الاجتماعات والتقارير التي تبدو شكلية أحيانا. صحيح أن الأهالي يحصلون علي بعض الخدمات من خلال الحزب, مثل العلاج علي نفقة الدولة واستصدار تأشيرات الوزراء للتوظيف أو لنقل الأطفال بين المدارس, إلا أن الخدمات محدودة ويحصل عليها قلة من المحتاجين. وعلي هذا الأساس, اقتصر العمل الحزبي علي التنظيم والمتابعة والاحتكاك الشخصي بين الكوادر الحزبية والأهالي بحكم الجيرة أو صلة القرابة.
النشاط الاجتماعي هو ما يحتاج اليه الحزب وهو ما لم ينتبه له الا مؤخرا. وقنوات العمل الاجتماعي في مصر كثيرة, إلا أنه من الأفضل أن ينشط الحزب من خلال الجمعيات الأهلية, خاصة المعنية بتنمية المجتمع المحلي. إن إشهار الجمعيات الأهلية أصبح اليوم أسهل مما سبق، وبالتالي فالحزب مطالب بالتحرك في هذا الاتجاه لتشجيع المشاركة الشعبية للمواطنين من خلال بناء مستشفي أو تجديد معهد أزهري.
وإذا كان الحزب الوطني وريثاً للتنظيم السياسي الواحد, فمن المفيد أن نعرف كيف نجح التنظيم منذ بداياته في اختراق المجتمع المصري من أعماقه. لقد تأسست هيئة التحرير في يناير 1953 لتحل محل الأحزاب التي تم حلها. ورغم أن رسالتها كانت سياسية منذ البداية, فان مجمل أنشطتها كانت اجتماعية في الأساس. ففي الفترة ما بين 1953-1956, نجحت الهيئة في بناء 100 مستوصف طبي, و18 مسجد, 74 مركز محو أمية, و153 مكتبة عامة. وقبيل حلها في1957, اكتشف عبد الناصر أن عضوية الهيئة بلغت 5 مليون مواطن, وأن هذا الرقم تحقق عبر شبكة من المؤسسات الاجتماعية المحلية*.
التحدي الماثل أمام الحزب الوطني اليوم هو إحياء هذه التجربة اعتمادا علي نشاط أعضاءه وعلي دعم خزانته. ممارسة العمل الاجتماعي يجب أن تتم بمقاييس العصر, فربما ما تحقق في الخمسينات ليس مناسباً للقرن الحادي والعشرين. الخلاصة أن العمل الاجتماعي هو مدخل هام للعمل السياسي, خاصة وأن جماعة الإخوان المسلمين تعتمد عليه بشكل رئيسي في حركتها مع الناس.

سؤال 3: من هم أعضاء الحزب الوطني؟
لهذا السؤال إجابة مباشرة مفادها أن عضوية الحزب تبلغ 1.8 مليون عضو في تشكلية متنوعة اقتصاديا واجتماعيا. من الصعب أن يستمر الحزب الوطني حزباً للجميع من موظفين وشباب وعمال ورجال أعمال. الأحزاب عادة ما تتكون استجابة لمصالح اقتصادية واجتماعية معينة. الأحزاب الاشتراكية في أوروبا تجذب عمال المناجم والمصانع الثقيلة أكثر من غيرهم. جماعة الاخوان المسلمين في مصر تستهدف الطلاب والمهنيين أكثر من الفئات الأخري, وهذا يفسر سيطرتها علي النقابات من ناحية, وانتشارها في الجامعة من ناحية أخري. الحزب الوطني يبدو حزباً لمن لا حزب له. علاج هذا أن يصيغ الحزب خطاباً اقتصادياً واضح المعالم, وخطاباً اجتماعياً مباشراً يخلو من الغموض. أن يحدد الحزب جمهوراً مستهدفاً تجمعه بعض السمات المشتركة لا يتعارض مع كونه حزباً لجميع المصريين, انما يزيده هذا قوة وفعالية. ورغم صعوبة الإجابة علي هذا السؤال, فمن المستبعد أن تكون الطبقة الوسطي من الموظفين وأصحاب المشروعات الصغيرة هي العمود الفقري للتنظيم, لأن هذه الطبقة لا تتوجه لصناديق الاقتراع أساساً. من المستحيل أيضا أن يكون الوطني حزباً لرجال الأعمال. لكن ما يمكن الاتفاق عليه هو أن الخطاب الحزبي الموجه للشباب ضعيف وغير مقنع. الحزب الحاكم يحتاج لمخاطبة قطاعاً عريضاً من الشباب الجامعي, وذلك بالتحرك داخل الجامعة من جانب, وبتعيين قيادات شابة في الوحدات والأقسام من جانب آخر.
أحد مشاكل العضوية تكمن في نسبة العضوية النشطة من إجمالي ال1.8 عضو. وإذا كان عدد الكوادر النشطة في الحزب قليل, فالمطلوب هو استخدام المؤشرات لقياس نسبة الحضور والتصويت في الانتخابات الداخلية, بل وقياس مدي رضاء الأعضاء عن الحزب بشكل عام. بعكس ما يتخيله الكثيرون, لا يمثل كارنيه الحزب عنصراً للقوة أو النفوذ عند التعامل مع أجهزة الدولة, والكارنيه ليس كافياً لقضاء مصلحة مع المحليات أو الجهات الأمنية. وفي الحقيقة, لا يتم التأكيد علي ذلك بالقدر الكافي, فعدد لا بأس به من المسجلين وأرباب السوابق يسعون – وقد أدرك بعضهم السعي- لعضوية الحزب أملاً في درء الشبهات الأمنية عنهم. ويمكن تفادي ذلك عبر عدة إجراءات. من الممكن عقد مقابلة شخصية مع المتقدمين لعضوية الحزب, إذ تضفي المقابلة علي النشاط السياسي جدية ومعني, وتساهم في فرز الكوادر المميزة والاهتمام بها.
لا يعتبر الفرد عضواً في الحزب الوطني إلا بسداد اشتراك سنوي قدره 3 جنيهات مصرية فقط لا غير. ترتفع قيمة الاشتراك السنوي الي 25 جنيه لأعضاء المجالس المحلية, و120 جنيه لأعضاء مجلسي الشعب والشوري. الثلاثة جنيهات يذهب أولها للقسم, وثانيها للمحافظة, وثالثها للأمانة العامة. ومن المقترح إضافة شرائح جديدة للعضوية بحيث يدفع أمناء المحافظات والأقسام شريحة أعلي من الأعضاء العاديين.
يؤثر التمويل علي الجانب التنظيمي بشكل مباشر. طبقاً للائحة المالية للحزب, يُسمح بقبول تبرعات عينية بلا حد أقصي, بينما يُسمح بقبول تبرع مالي بحد أقصي 500 بدون الإعلان عن ذلك. وأي تبرع مالي يتجاوز هذا المبلغ يفصح عنه الحزب وعن مصدره وينشر ذلك في الجريدة الرسمية. ويمكن الاستنتاج أن التنظيم الحزبي لا يواجه أزمات مالية حقيقية, فالتبرعات العينية تأتي في شكل فرش مقرات الحزب بالأقسام والقري, أو في شكل فرش مكاتب وشراء أجهزة تليفون وكمبيوتر لدعم الاتصال الحزبي. ومن يتكفل بهذه التبرعات عادة ما يكون نواب مجلس الشعب أو الشخصيات العامة الأعضاء بالحزب.

سؤال 4: هل يخاف الحزب الوطني من الناس؟
لن يستطيع الإجابة علي هذا السؤال إلا كوادر الحزب نفسه, وبعضهم يري أن الحزب يتجنب الاحتكاك بالجماهير بشكل مباشر. لقد ثبت عند غالبية المصريين أن الحزب الوطني هو حزب الحكومة أو حزب الرئيس. ولأن الشعب المصري يكره الحكومة بمبرر أو دون مبرر, فانه لا يثق في الحكومة ولا في حزبها, وهذا كفيل بافشال أي مبادرة يقوم بها الحزب علي المستويات المحلية. الحقيقة أن شعبية الحزب مرتبطة بأداء الحكومة. كلما أخفقت الحكومة في توفير الخدمات العامة وفي حل مشكلة البطالة, فان سخط المواطنين ينصب علي الحزب مباشرة.
تطالب التعليمات الصادرة للمستويات التنظيمية الكوادر بتوخي الحذر عند التعامل مع الجماهير. مثال ذلك هو تحرك الحزب لمواجهة أنفلونزا الطيور التي ضربت البلاد في فبراير 2006. التحرك الحزبي تم بشكل "فردي", اذ طلب من كل كادر أن يتصل بالأهالي للتوعية بخطورة المرض وكيفية التعامل معه. والمهام من هذا النوع تزيد احتكاك الكوادر الحزبية بالأهالي وتبني الثقة التي يستثمرها الحزب في المستقبل. ويراعي في ذلك أن لا يظهر الحزب كأنه المسئول عن مواجهة الأزمة.
نعم هناك تخوف في التعامل مع الناس. مثال آخر هي الدورات كرة القدم الرمضانية التي تنظمها أمانات الشباب في الأحياء الشعبية. من المعروف أن دورات الكرة تثير مشاجرات عنيفة قد تؤثر سلبا علي صورة الحزب في القرية أو الحي, وبالتالي فيتم تقنين الدورات وعدم التوسع في استخدامها كأداة لجذب الشباب. الخلاصة هي أنه عادة ما يقوم أعضاء مجلس الشعب بالدور الشعبي والجماهيري, بينما يقوم الحزب بتأدية الدور التنظيمي.

سؤال 5: هل يمكن "تهجين" الحزب الوطني؟
يتطلب اصلاح الحزب الوطني التوجه لقطاعات شبابية متميزة بغرض إدماجها في العمل التنظيمي. ما يحدث منذ عام 2002 يمكن تسميته بتهجين الحزب, أي السعي لإنتاج سلالات جديدة من القيادات ذوي المؤهلات العليا وأصحاب النجاحات في القطاع الخاص. هناك محاولات في مختلف تشكيلات الحزب لجذب عناصر من خارج الحزب فيما يعرف بمجموعات التميز, وهي المجموعات ذات التأهيل العالي والتي تعد للعب دور حزبي علي المدي الطويل.
تعتبر أمانة السياسات في حد ذاتها مجموعة تميز, وتشهد الدراسات التي أعدتها الأمانة ونشرتها علي موقع الحزب علي الانترنت أن دورها حيوي فيما يتعلق بتقديم النصح لصانع القرار. لكن علي المستوي السياسي يفتقر معظم أعضاء أمانة السياسات لأي خبرات تنظيمية, وبالتالي فان التغيير الذي حدث خلال السنوات الماضية لم يصل بعد للمستويات القاعدية. كما أن عموم المواطنين يرون أنه لا علاقة بين الفكر الجديد وبين أمين المحافظة أو الوحدة الذي لم "يتجدد" أو يتغير منذ أعوام طويلة.
أصحاب المؤهلات العليا لن يغيروا من أداء الحزب اذا لم يتم تسكينهم في مواقع تنظيمية. وما تم انجازه في هذا المجال ليس بالكثير.


خاتمة
تحتاج أسئلة التنظيم في الحزب الوطني لإجابات. لقد تلقي الحزب بعض الضربات التنظيمية التي تدق ناقوس الخطر إن لم يتم دراسة أسبابها ومعالجتها. الضربة الأبرز جاءت في انتخابات مجلس الشوري 2004 عندما سقط محمد كمال سليمان أمين تنظيم القاهرة أمام مرشح مستقل في دائرة جنوب العاصمة. عندما تخسر قيادة تنظيمية بهذا الحجم وفي انتخابات مجلس الشوري ذات الاقبال الضعيف, فإنه لابد من وجود خلل ما في الاعداد والتنظيم. الضربة الثانية جاءت في انتخابات مجلس الشعب 2005. سقط في هذه الانتخابات علي سيد دقلة أمين تنظيم الجيزة أمام مرشح الإخوان في دائرة الوراق وأوسيم. الضعف التنظيمي له مؤشرات واضحة لا تخطئها العين.
لكن التصريحات في الفترة الأخيرة تحمل بعض التفاؤل. لقد تم الإعلان عن حركة تغيير كبري تبدأ في منتصف ابريل 2006 وتشمل أمناء المحافظات ثم الأقسام ثم الوحدات الحزبية. ويمكن أن تتيح هذه التغييرات فرصة للقيادات الشابة, كما أنها خطوة أولي علي طريق انتخاب قيادات الحزب من القاعدة للقمة.
لقد حملت نفس التصريحات دعوة موجهة لأعضاء الحزب بخصوص إنشاء الجمعيات الأهلية. قيام الحزب الوطني بأنشطة أهلية- من خلال أعضاؤه - قد يستعيد ذلك الدور الاجتماعي المفقود وقد يغير من المعادلة السياسية في السنوات القادمة.
مسألة التنظيم في الحزب الوطني لا تحتمل التأجيل. الوضع الراهن يؤكد أن جذور الحزب في الشارع- الوحدات الحزبية- عبارة عن تشكيلات مفتتة لن تقوي علي مواجهة السرية (الوحدة الأصغر لجماعة الإخوان المسلمين). مستقبل الوحدة الحزبية في خطر طالما ظل الفكر الجديد علي قمة الحزب و ظلت الممارسات القديمة في أعماق التنظيم.





No comments: